في القرن الواحد والعشرون، احتل الإنسان الآلي “الروبوت” مساحة كبيرة من العالم عوضًا عن الإنسان البشري، فهو آلة ميكانيكية مصممة للقيام بالأعمال الخطيرة والشاقة، بسيطرة مباشرة من الإنسان أو عن طريق برامج حاسوبية.
من المعروف أيضًا أن كلمة “روبوت” ظهرت لأول مرة عام 1920، في مسرحية الكاتب التشيكي “كارل تشابيك”، ولكن هل تعلم أن العلماء المسلمين اخترعوا أول إنسانًا آليًا في القرن السادس الهجري ؟.. تعرف على القصة.
قبل ألف سنة
عرفت الحضارة الإسلامية على مر العصور بعلمائها الرواد في مختلف المجالات، فمنهم من كانت لديه إسهامات فكرية وآخر علمية، حتى اخترعوا آلات تقود البشرية في هذا العصر ومنها الإنسان الآلي “الروبوت”، فمنذ 8 قرون اخترع العالم والمهندس المسلم ” بديع الزمان أبو العز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري” أول روبوت في التاريخ للمساعدة في الوضوء، ولقب حينها ب “أبو الروبوت”.
فبناءًا على طلب أمير ديار بكر ويدعى “آمد”، أن يصنع له آلة تغنيه عن الخدم كلما رغِب في الوضوء للصلاة، فصنع الجرزي آلة على هيئة غلام منتصب القامة، وفي يده إبريق ماء وفي الأخرى منشفة، بالإضافة إلى وجود طائر على عمامة الغلام ليصفر كلما حان وقت الصلاة، ثم يتقدم هذا الغلام إلى الخليفة “آمد” ليصب الماء له بمقدار معين، وعند انتهائه من الوضوء يقدم له المنشفة ويعود إلى مكانه من جديد،
كما اخترع روبوت على هيئة أنثى، تعمل نازلة لتقديم المياه والمشروبات بمختلف أنواعها، حيث يتم تخزين المشروبات في مكان ما ثم تقوم بصبه بوعاء، وكذلك المياه التي تتدفق في مراخيص التنظيف الحديثة، فهي فكرة من أفكار الجزري، والتي قدمها على شكل روبوت لأنثى تقف في حوض مملوء بالماء، وتعتمد على التدفق المفاجئ للمياه.
اقرأ أيضًا: تعرف على العالم “ابن النفيس” مكتشف الدورة الدموية الصغرى
من هو «الجزري» أبو هندسة العصر الحديث؟
ولد إسماعيل الجزري عام 1136م، بمنطقة جزيرة ابن عمر التي تقع في الأقاليم السورية الشمالية على نهر دجلة، بعد أن تلقى الجزري تعليمه بها، عمل كرئيس مهندسين في ديار بكر جنوب شرق “تركيا” حاليًا، حيث خدم حكام هذه الديار لمدة خمس وعشرين سنة، حتى أصبح رئيس مهندسي البلاط.
فمنذ بداية حياته كان شغوفًا بالعلم والهندسة والميكانيكا، فاستطاع أن يكسب ثقة الدولة وسلطانها حتى أصبح كبير المهندسين في قصر الدولة الأرتقية، ولتعلقه الشديد بالعلم والميكانيكا لقب ب “أبو الهندسة”، وتمكن من تصميم العديد من الآلات المذهلة التي تطورت فيما بعد لتواكب العصر الحديث.
ابتكارات الجزري المذهلة
جمع الجزري بين الهندسة والفيزياء الميكانيكية والرياضيات، فتنوعت اختراعاته وتعددت المجالات، ومن أبرز اكتشافاته، اختراع عمود الكامات الذي يدور بضغط مكابس المحرك فتتولد قوة دافعة للأمام، حيث ساعدت في بناء مضخات مياه دافعة ذاتية، التي بدأ بها صناعة المحرك ليبدأ عصر النهضة الأوروبية في القرون الوسطى.
كما اخترع ساعة شمعية لقياس الزمن الذي تستغرقه عملية ما، الذي يعرف اليوم ب “stop watch”، وصولًا إلى “ساعة الفيل”، التي تعمل عن طريق نظام ماء متدفق في بطن الفيل، مقسم إلى 6 أجزاء يحمل كل جزء عناصر ثقافة معينة، وصنعت من تلك الساعة نسخ عديدة وضعت في عدة دول ومتاحف مختلفة حول العالم.
فغير الجزري مفهوم الطاقة والنقل والحركة حتى توالت اختراعات الروافع ذاتية الحركة والساعات المائية ذات نظام التنبيه الذاتي، بالإضافة إلى الآلات الهيدروليكية التي تقوم على الدفع بالسوائل وصمامات تحويل وأنظمة تحكم ذاتي، ولتسلية ضيوف البلاط الملكي، قدم الجزري بابتكار فرقة موسيقية تطفو على سطح الماء مؤلفة من شخصيات عدة، كل واحدة منها تصدر صوت آلة موسيقية معينة.
اقرأ أيضًا: من ابن بطوطة لمشرفة.. 4 علماء عرب تركوا بصمة مؤثرة على مر التاريخ
كتاب الحيل الهندسية
ولجمع أعماله وأسرار وابتكاراته المدهشة، ألف الجزري كتاب “الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل”، الذي سميّ في أوروبا ب “الحيل الهندسية” بعد ترجمته، حيث اعتبر هذا الكتاب أيقونة للعلم وموسوعة لأسرار الاختراعات الهندسية الحديثة، أمضى حوالي 25 عامًا في كتابته.
فقدم تفاصيل دقيقة لابتكارته المذهلة، فوصف 50 جهازًا ميكانيكيًا في 6 فئات مختلفة حسب الاستخدام وطريقة الصنع، وكانت هذه أساس للتصنيفات الأوروبية في عصر النهضة، كما يحوي على رسوم وتصاميم هذا الآلات ودراسات وأبحاث عن الساعات والآلات الرافعة للماء والأثقال.
فهو كنز من كنوز الثقافة والابتكار، وتمت ترجمته للغات عديدة، لاعتباره المرجع الأساسي للآلات الميكانيكية والهيدرولوكية في القرون الوسطى، كما عرض كتابه في العديد من المتاحف العالمية، مثل متحف الفنون الجميلة في بوسطن، والباب العالي في اسطنبول، ومتحف اللوفر في فرنسا ومكتبة جامعة أوكسفورد.
توفي الجرزي عام 1206م، مخلفًا وراءه علمًا ساهم في ظهور الثورة الصناعية، وعلى الرغم من مرور قرون طويلة على اختراعاته، مازال العلماء تبحث عن كتابه حول العالم لما يحويه من أسرار لأساس الصناعات الهندسية وتطوريها بما يواكب العصر.
اقرأ أيضًا: هل حقا الخوارزمي أسس علم الجبر؟.. بردية مصرية تكشف الحقيقة
