كاتب ومقال

دار في خاطري| همسات الورود

بقلم: ريم السباعي

أشرق الصبح، وها هو الليل قد انجلى، وخيوط من نور تملأ الكون ضياءً، فقد أرسلتها الشمس حين استيقظت، لتوقظ النيام، فاستيقظت فرحا ورحت أسير في الطرقات الخضراء التي تجاور بيتي الصغير حديث البناء، فلقد اخترت تلك البقعة الهادئة ذات الجمال الأخاذ لأحيا بها في صمت وسكينة، تاركا ورائي الصخب والضجيج، وصراعات البشر وزيف مشاعرهم، ومبادئهم الواهية التي يغيرونها لتتناسب مع أهوائهم، فآثرت البقاء هنا بين المساحات الخضراء الواسعة، وأشجار الورد والياسمين، ونهر عذب صافي، ونسمات محملة بعبير الورود.

أسلمت حواسي للطبيعة، ورحت أمعن في جمال الزروع والأزهار، وأتشمم رائحة الصباح الممزوجة برائحة الياسمين، وأشعر بدفئ الشمس على جسدي، وأتذوق ثمار الفاكهة الناضجة التي حرصت على زراعتها بجوار بيتي، وأنصت لحفيف الأشجار، وهدير ماء النهر، فشعرت براحة كبيرة لم أشعر بها من قبل، وتفاؤل ليس له مثيل، فمضيت في سيري كي أستمتع بجمال الطبيعة أكثر وأكثر.

لم أشعر بالوقت كيف مر مسرعا حتى مالت الشمس إلى الغروب، فوقفت أراقب آخر شعاعا لها وهو يتمايل فوق النهر حتى ذابت الشمس في الأفق البعيد، فقررت العودة إلى البيت كي أنعم بسكون الليل في شرفتي الكبيرة.

وبينما أنا أسير في طريق عودتي سمعت أصواتا عذبة تهمس برقة وصفاء، فتعمدت الوقوف لأصغي إليها، ثم انتبهت لأن لا بشر غيري هنا، فمن أين تأتي هذه الأصوات؟! فرحت أسير ببطء وأنا أسترق السمع لتلك الهمسات الرقيقة باحثا عن مصدرها حتى علمته، ويا لها من مفاجأة!!

لقد كانت الأصوات آتية من شجرة الورد، ولكن من المتحدث إذن؟!! فأصغيت إلى الحديث، فتأكدت أنها الورود على الأغصان.

لقد أيقنت بذلك فقد كان الحديث هكذا:
الوردة الأولى تقول بحزن: يبدو أنني سوف أرحل الآن.
الوردة الثانية في دهشة: راحلة؟!! إلى أين؟!!
الوردة الأولى: لا أعلم، ولكنني أشعر بأنه حان وقت الرحيل.
الوردة الثانية في حزن: لماذا؟!!
الوردة الأولى بأسى: لقد لمحت ظل بشر يتجول اليوم هنا، فعلمت أنها النهاية، وقد حان وقت الرحيل.
الوردة الثانية ترتجف: بشر!! يا إلهي! لقد حل الدمار إذن.
الوردة الأولى بألم: وا حسرتاه على هذه البراعم لقد كنت انتظر تفتحها.
الوردة الثانية بثقة: لن ترحلي، وستتفتح البراعم، وسوف نبقى رغم أنوف البشر.
الوردة الأولى مبتهجة: فلنبقى وإذا وجدنا الشر من البشر ، قابلنا شرهم بأحلى العطور، ليعلموا أننا أفضل منهم.
الوردة الثانية بسعادة: فلنفعل ذلك يا صديقتي.

هذا كل ما حدث، أجل! إنها همسات الورود التي تأبى العيش بين البشر الأشرار مثلي، ولكنني آثرت الابتعاد عنهم، فأنا ليس باستطاعتي تقديم الأفضل أمام الأسوأ.
سررت لسعادتهما التي أتت من بعد حزن وخوف، فكرت أن أذهب وأخبرهما أنني وحيد هنا ولا أكن لهم أي شر حتى أدخل الطمأنينة إليهما، ولكن راح يلح علي سؤالا وهو هل سأبقى طيبا نقيا؟! أم أنني سوف أتحول إلى شرير في يوم ما وبسبب ظرف ما؟!!

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى