كاتب ومقال

ومضة| حروف من هواء

بقلم: أحمد سليمان

أحمد سليمان

(قد يصيبنا الحب بحالات لا نعرف أنفسنا فيها، فكثيراً ما نصبح غريبي الأطوار، قد نصير قليلي الفهم في العديد من المواقف، وقد نفهم بعض الأمور ولكن نخدع أنفسنا عامدين لنبقى في ذلك السجن الذي نشعر كذباَ ونحن مقيدون في أغلاله أن يوم تحريرنا هو يوم الحكم علينا بالإعدام).

أحبها.. قصة الحب الاعتيادية التي يمر بها أي شاب جامعي سواء كانت متبادلة أو من طرف واحد، لكنها هذه المرة كانت من طرف واحد، معركة دخلها مع نفسه أولاً محاولاً الهروب من مشاعره لكن تلك المشاعر حكمت عليه بالاستسلام، فحاول إظهار حبه وقدم كل شئ من أجل لا شئ فآلت النتيجة إلى لا شئ.

كثيراً ما نظن أنفسنا أذكياء في الحب رغم ما يصيبنا به من سذاجة، فقد كتب فيها قصائداً ونشرها على صفحته في الفايسبوك عسى أن تفهم مراده، عسى أن ترضى بأن تكون في حياته، لم تكن قصائده مضبوطة الوزن والكافية بل كانت في كثير من الأحيان تجارب شعرية بدائية.

سذاجة الحب جعلته يدرك أحياناً أن لا أحد يفهم المراد بما يكتب فصرح باسمها في بعض القصائد، وذات السذاجة جعلته في أحيان أخرى يظن أن جميع زملائه وأصدقائه يتناجون سراً عن قصائده، عن تلك الفتاة التي شغفته حباً، ولكن لم يكن يعينه سوى هي.. ندى صاحبة الوجه الملائكي.. تلك التي علم أجمل ما فيها فجمله أكثر ورأى بعض صفاتها السيئة جميلة، ذاك الحب غير المبرر، وهل إذا بُرر الحب يُسمى حباً؟
كتب القصائد بلا فائدة، ولم تزده هذه الكلمات الساذجة سوى بعداً من قبل حبيبته.

حاول يحيى التقرب من ندى، إلا أنها وضعت مسافة معينة بينهما إذا ما تخطاها تعود هي قليلاً إلى الوراء فتظل المسافة كما هي، ولم يشجعه ذلك على مصارحتها رغم علمه بأنها تعرف جيداً حقيقة مشاعره تجاهها.

وفي أحد الأيام دخل يحيى المدرج ووجد زميلات ندى حولها فيما يبدو أنه حدث استثنائي، هل حدث ما يخشاه؟ ما كان ينتظره دائماً ولكنه يتمنى أن يتأخر ولو قليلاً حتى وإن كان ذلك بلا هدف؟ فكل إنسان يعرف أن الموت مصيره لكنه يتمنى لو أن عمره يطول ولو ساعة.. بالفعل حدث ما يخشاه وأعلن ندى خطبتها.

حاول يحيى استجماع قواه، جاهد ليرسم ابتسامة على محياه ليهنئها ولو كذباً فلم يفلح، حاول الاختفاء من المكان فضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولم يتمكن سوى من الجلوس في مكانه وترك الأمور تجري كما قدر لها الله.

مرت الأيام بلا جديد، ورغم مرور فترة على خطبة ندى إلا أن يحيى لم يعد كما كان، إذاً هي ليست كما ظن قصة حب اعتيادية يمر بها أي شاب في حياته وتنقضي، ومع ذلك اعتاد الأمر ورآها الأمنية المستحيلة، وذلك الشئ الذي تتعلق أنظارنا به دائماً ولكن يُحرم علينا أن نقاربه.

لاحظ يحيى بعد ذلك غياب ندى وعدم انتظامها في الحضور، وشغل الأمر باله جداً لكنه لم يتمكن من السؤال عليها، إلا أن الخبر ذاع وانتشر ذاك الخبر الذي أعاد الدماء إلى عروقه، لقد انفصلت ندى عن خطيبها، وشعر يحيى أن العقبة التي أمامه تجاه ندى قد تمت إزالتها إلى غير رجعة، ولكن هل كان محقاً؟ هل خطبتها كانت العقبة الوحيدة؟ أم أنه ظل قبل ذلك عاجزاً أمامها أيضاً.

ومرة أخرى مرت الأيام دون جديد رغم إزالة العقبة التي ظن أنه تحول بينه وبين أمنيته التي لم تعد مستحيلة، نفس اللهفة نفس الرعشة في نفسه مستمرة حينما يراها إلا أن أي شئ لم يتبدل، لم يخبرها بشئ عن مشاعره وكأنه ألقى نفسه في سجن مشاعره وألقى بمفتاح السجن في مكان لا يمكن الوصول إليه.

على الجانب الآخر لم يكن انفصال ندى عن خطيبها أمراً هيناً عليها، فقد أصبحت تغيب لفترات طويلة عن المحاضرات وانعزلت عن معظم زملائها.

وفي أحد الأيام دخل يحيى المدرج وكان يتواجد به عدد قليل من الطلاب بعد إلغاء المحاضرة المقررة وكانت ندى تجلس فذهب كعادته مرتبكاً لمصافحتها، ولكن هذه المرة حديثها كان مفاجئاً له.

يحيى: إزيك يا ندى، كويس إني شوفتك بقالك كتير مبتجيش؟
ندى: تفتكر هكون بخير؟
يحيى: ليه بتقولي كدة؟
ندى: يعني مش عارف.
يحيى “بارتباك”: كل اللي أعرفه إن كل شئ بيعدي.
ندى: هو أنا ممكن أسألك سؤال؟
يحيى: أكيد طبعاً.
ندى: أنت ليه منافق؟
يحيى: أنا منافق إزاي يعني مش فاهم؟
ندى: أنت عارف إني مش بخير وعارف السبب.
يحيى: مش كل حاجة بتتقال بعدين ده إيه علاقته بالنفاق.
ندى: الكدب والنفاق واحد.. كمان أنت عمرك ما بينت اللي جواك ناحيتي.
مرة أخرى يرتكب يحيى ويجيب: مش فاهم حاجة؟
ندى: تاني يا يحيى.. أنا عارفة وأنت عارف إنك مبسوط باللي حصلي مش عشان أنت إنسان وحش عشان مظلمكش بس عشان بتحبني.

هنا نزلت كلمات ندى على يحيى كالصاعقة، ولم يعرف ماذا يقول، هل ينكر الأمر؟ ولكن كيف إنكار أن الشمس تأتي من المشرق؟، هل يخبرها بكل شئ؟ ولكن كيف وذلك الخوف فترة لازمته في حياته.

يحيى: أنا مش فاهم حاجة.
ندى: لا فاهم وأنا عارفة كويس إنك بتحبني وعارفة كمان إني كنت محافظة على مسافة معينة معاك، عارف ليه عشان أنت جبان يا يحيى وأنا عارفة أنك عمرك ما هتقول حاجة حتى بعد ما طلعت بنفسي اللي جواك، أنت غاوي ترسم حاجات مستحيلة، أنت مستعذب اللي أنت فيه، العاشق المحب اللي حبيبته مش حاسة بيه.
لم يستطع يحيى فعل أي تصرف أو التفوه بأي كلمة، فأكملت ندى حديثها.
ندى: أنا مش بقولك كدة عشان ببادلك نفس الشعور، أنا عمري ما هحب حد جبان، كنت منتظر مني إيه أجي أقولك أنا، أنت مجرد رد فعل وانعكاس لحياتي أتخطب تزعل ويبان عليك قدام كل الناس أنفصل تفرح وبردو يبان عليك قدام كل الناس.

وانصرفت ندى من أمام يحيى، وتركته غير مصدق لما يحدث بعد أن عرت كل الحقائق أمامه، هل يلومها لأنها نطقت بالصدق؟، هل يعتذر وماذا يجدي الاعتذار؟، وكالعادة فضل أن يفعل لا شئ، وتجنبها منذ ذلك الحين إلا أن ذلك الارتباك والرعشة التي تصيبه كلما رآها لم تنته ولم يفعل هو أي شئ لإنهائها.

 

نبذة عن الكاتب

أحمد سليمان

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

محرر صحفي تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة

صدرت له 4 كتب
منهم ديوانا شعر باللغة العربية “بلاء عينيك أطلال”
مجموعتين قصصيتين “مواسم الموت وعيادة فقدان الذاكرة”

للتواصل :

[email protected]

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى