فعاليات و مبادرات

“توظيف التراث في أدب الأطفال”.. بمؤتمر دار الكتب والوثائق

أكدت الدكتورة نورا عبد العظيم، باحثة بمركز تحقيق التراث بدار الكتب، في كلمتها بمؤتمر أدب الطفل والجمهورية الجديدة على أهمية أدب الطفل حيث أنه من المعروف أن الطفل هو ذخيرة المستقبل ورجل الغد وأمل الأوطان، لذا لا بد من إحاطة الأطفال بعناية خاصة، خصوصًا في مجال التراث الذي له دورٌ فعالٌ في بناء شخصية الطفل؛ فهو الذي يكسبه هويته ويميزه ويدعم انتسابه للوطن.

والأسرة هي اللبنة الأولى في تشكيل وعي الطفل، ذلك أن التعليم في الصغر كالنقش في الحجر، ومن شَبَّ على شىءٍ شَابَ عليه، وتتضمن خطة التنمية المستدامة 2030 مجموعة من الأهداف المترابطة والمتعاضدة، وللمرة الأولى على الإطلاق يُعترف بكرامة الأطفال وبحقهم في العيش وفي مأمنٍ من العنف ومن الخوف، باعتبار ذلك أولية متميزة في خطة التنمية الدولية، وسيساعد تحقيق الأهداف ولا سيما تلك المتعلقة بالتعليم والصحة والمساواة بين الجنسين وعمالة الأطفال.

وللتفكير في أهمية الحماية وفي ما تتسم به من طابع استعجالي دعا الأطفال أنفسهم إلى إدراج التخليص من العنف بشكلٍ صريحٍ في الخطة الجديدة، وشددوا على أن مكافحة العنف تتقاطع مع العديد من الأهداف والغايات، ولكن يلزم أيضًا أن يُنظَر إليها باعتبارها أولوية قائمة بذاتها، لذا فمن الضروري توعية الأطفال وتعريفهم بالتراث عن طريق تبسيطه إليهم وشرحه في صورة مبسطة تكون جاذبة لمداركهم.

وتوظيف التراث في أدب الأطفال يعني استحضار فتراتٍ محددة من التاريخ، سواء من خلال مواقف أو حوادث أو شخصياتٍ تاريخية كان لها أثر واضح في الحضارة ، أو استلهام قصصٍ وحكاياتٍ ونوادر عن المنشآت التاريخية والآثرية، مع انتقاء ما هو مناسب للطفولة واختيار النماذج التي تستحق أن تكون مثلًا وقدوة للأطفال كالعلماء الذين أثروا الحضارة الإسلامية بإنجازاتهم العملية، ثم العمل على إعادة صياغتها وتحويلها إلى قصصٍ ومسرحياتٍ مبسطة، وإكسائها لونًا يتناسب وروح العصر الذي يعيشه الطفل.

وينجذب الأطفال بشكلٍ كبيرٍ نحو الأعمال التى تتخذ طابعًا تراثيًا، فمن الممكن تبسيط المادة التراثية على شكل حكاية، فمثلًا أن نعرِّف الأطفال بشخصية تاريخية مهمة ونجعلها تتحدث عن نفسها وعن مولدها ونشأتها وإنجازاتها، مع استعراض لنماذج من إبداعاتها وأعمالها بشكلٍ مبسطٍ ومناسب، وكذلك الحال عند التعريف بمنشأة تاريخية.

ويعتبر التاريخ أكثر الأجناس الأدبية طواعية لاستثمار التراث وأكثرها مقدرة على استلهامه، وتكمن أهداف التوظيف في أن يطّلع الأطفال على تراثهم، وأن يتعرَّفوا على الشخصيات المهمة في تاريخ أمتهم، كما يهدف إلى غَرْس القيم والمثل في نفوسهم، حيث تترسخ في الأذهان من خلال العبرة التاريخية، بالإضافة إلى توسيع آفاق معارفهم وإكسابهم الخيال الخصب.

وعملية توظيف التراث تحتاج إلى شروطٍ معَّينة لتحقِّق أهدافها، وأهم عنصرين للتعامل مع التراث: الرؤية الجديدة، واللغة الجديدة؛ فالرؤية الجديدة تعني الحاضر وتبعث الحياة فيه، واللغة الجديدة هي الوسيلة التي تجعل من هذا الماضي البعيد شيئًا قريبًا إلينا ومألوفًا منا، إذًا لابد لنجاح عملية التوظيف من قراءة التراث قراءة جيدة وفهمه فهمًا سليمًا، وتقديمه برؤى جديدة يستطيع التأثير في المستقبل وتغيره نحو الأفضل، أي: قراءة معاصرة للتاريخ ضمن معادلةٍ دقيقة ومزجٍ ساحر بين الأصالة والمعاصرة، وهذا لا يعني التغيير في صلب الموضوع أو تحويله عن حقيقته، بل عملية منظّمة ومدروسة يُستوحي منها ما يخدم الحاضر والمستقبل دون الإساءة إلى الماضي.

وفيما يلي عرض لنماذج تبسيطية لتوظيف التراث  في أدب الأطفال فمثلًا عند شرحي لمجموعة من الأطفال تعريف معني  التراث، فأبدأ  الشرح  بحكايةٍ على شكل قصة لها أبطال تكون جاذبة لتصل بسرعة إليهم، فتكون عن طريق  أسئلة تطرح عليهم.

وختامًا، أرجو أن أكون وفقت في عرض رؤيتي لمسألة توظيف التراث للنشء في ضوء استراتيجات 2030م في ظل الجمهورية الجديدة، خصوصًا في ظل الغزو الثقافي الممنهج من قِبل وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التي أثرت بالسلب على ثقافة النشء، والتي من الممكن أن تؤدي إلى طمس هويتهم في ظل غياب التواصل معهم، تلك الخطورة التي تكمن في كونه يستهدف مسخ الثقافات المحلية بما هي الصورة المعنوية للأمة بكل خصائصها  الفكرية وتصوراتها العقائدية وسلوكياتها الاجتماعية وموروثها الحضاري وفرض كل ما هو دخيل عليه بالاختراق وتحسين التكيف معه لهم بقصد إعدادهم لتقبله كبديلٍ عصري تتطلبه ضرورات الحداثة.

لذلك فإن الأمر يتطلب الانتباه الدائم إلي مخاطر العولمة وفضح أساليب الغزو الثقافي، من خلال ترسيخ ثوابت الخصوصيات  الثقافية المحلية ومحاربة محاولات طمس الهوية، وذلك بزرْع القيم والمبادئ في نفوس النشء من خلال التنشئة الأسرية والمجتمعية السليمة ونشر الوعي الثقافي  عن طريق التعريف بالتراث والتاريخ والحضارة، من خلال المدارس أو المتطوعين الذين يحملون على أعناقهم مهمة نشر التراث للنشء وتبيسطه؛ من أجل نشأة مواطن صالح محب لوطنه ومحافظ على هويته فالمستقبل مرهون بتوعية النشء فالتعليم في الصغر كالنقش على الحجر.

فالجمهورية الجديدة لا تعني مطلقًا الاهتمام بتطوير المباني و الجدران  فقط، وإنما كذلك بتنمية البشر والإنسان فبناء البشر قبل الحجر،  فالدولة تنظر للنشء باعتبارهم جزءًا رئيسًا من المجتمع، ومكونًا مهمًا للثروة البشرية الهائلة التي يتمتع بها المجتمع، وتسعى الدولة لتعظيم الاستفادة منها فى إطار التوجه الأوسع بالاستثمار في البشر، ، كما أن الأجندة الوطنية للتنمية المستدامة «رؤية مصر 2030»، تضمنت عددًا من السياسات التنموية لهذه الفئة.

لذا أشيد بمبادرة السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بحشد الطاقات الإبداعية في مجال نشأة الأطفال لبلورة استراتيجية وطنية متكاملة؛ لبناء شخصية الأطفال وقدراتهم من المهد.

Related Articles

Back to top button