«رمضان في مصر».. أولى ندوات الأعلى للثقافة في الشهر الفضيل
تحت رعاية الدكتور هشام عزمى، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، عقد المجلس الأعلى للثقافة أولى ندواته فى شهر رمضان الفضيل، وجاءت تحت عنوان: “رمضان فى مصر”، ونظمتها لجنة التربية وعلم النفس بالمجلس، وذلك فى تمام التاسعة من مساء أمس الإثنين الموافق 27 من شهر مارس الجارى بقاعة المجلس الأعلى للثقافة، وأدار الندوة الدكتور عصام الدين هلال؛ الأستاذ بكلية التربية جامعة كفر الشيخ وعضو اللجنة، وتحدث فيها الدكتور كمال مغيث؛ الخبير بالمركز القومى للبحوث التربوية.
تحدث الدكتور كمال مغيث راويًا ذكريات نشأته فى محافظة المنوفية، وذلك منذ ما يزيد عن خمسة عقود، كان الأطفال يحملوا الفوانيس الصغيرة المتواضعة، والمصنوعة من بقايا الصفيح وبقايا الزجاج الملون؛ حيث كان ثمن الفانوس لا يتجاوز القروش الخمسة، ويشعلها الأطفال فوانيسهم المزودة بالشمع ونمر على البيوت، وهي في النهاية بيوت أقاربنا وجيراننا، ونحن ننشد وحوي يا وحوى.. إياحة، حالو يا حلو رمضان كريم يا حالو.
وكان هؤلاء الأقارب يجودون على الأطفال ببعض التمرات أو ثمار الفاكهة، وأضاف أن تلك الأغنية تُعد واحدة من أهم الأغانى الرمضانية التراثية المصرية والتي يردد كلماتها كل عام الشعب المصري والعربي أجمع، بالتزامن مع حلول هلال شهر رمضان المبارك، وأكد أن اهتمامه الكبير بفك رموز ثقافة شعبنا المصري العظيم، قد دفعة إلى محاولة فهم معاني كلمات تلك الأغنية، وكان من المنطقي أن يبدأ بالبحث فى القواميس والمعاجم العربية عن معنى كلمة: “وحوى” و”إياحة”.
ولكن معاجم اللغة العربية لم تسعفه بشىء؛ فاستعان بخزانة ذكرياتنا وتراثنا المصري العريق، وأوصله بحثه إلى الملكة العظيمة (إياح حتب) التي يشار إليها فى الأغنية بكلمة “إياحة” تدليلًا لها، وتعود كلمات مطلع الأغنية إلى حقبة احتلال الهكسوس لمصر فى أواخر القرن الثامن عشر قبل الميلاد، إبان حكم الملك (تاعا الثانى) الملقب كذلك بـ (سقنن رع) وكانت زوجته الملكة العظيمة (إياح حتب) تدعمه وتشجعه على طرد هؤلاء الغزاة من أرض الوطن؛ فراح الرجل يعد العدة ويجند الجند ويواصل التدريبات، ونقلت هذه الأخبار إلى ملك الهكسوس الذي أرسل رسالة سخرية إلى الملك (تاعا الثاني)، يقول فيها: “أسكتوا أفراس النهر التي تصيح في طيبة، إنها تزعجني”.
وقامت الحرب بينهما وتقدم جيش (طيبة)، وتحت أسوار (أواريس) ينال الملك (سقنن رع) ضربتي دبوس قاتلتين، واحدة فى فكه الأسفل والأخرى في جمجمته، هكذا نجد أثر الضربتين حينما نقف أمام مومياء ذلك الملك المناضل العظيم، وبعد أن فقدت الملكة زوجها الذى فاضت روحه قبل أن يتم الانتصارخلال مواجهته للغزاة دفاعًا عن شعبه، ولكن الملكة (إياح حتب) لم تيأس؛ فدفعت بابنها الأكبر لكي يستكمل الحرب أمام الهكسوس، ولكنه مات أيضًا، ولكن لم ينل ذلك أيضًا من عزيمتها؛ فوجهت دعمها إلى ابنها الثانى الملك (أحمس) الذي نجح في طرد الهكسوس من مصر، وبعد هذا الانتصار الكبير الذي حققه الملك (أحمس)، خرجت جموع المصريين احتفالًا بالنصر في استقبال الملكة المنتصرة (إياح حتب)، حاملين المصابيح وينشدون “وحوى يا وحوى إياحة”، وتعنى هذه الكلمات: مرحبًا يا قمر الزمان أو أهلًا يا قمر الزمان، ومن هنا انصهر هذا فى تراثنا المصرى، لكى تبقى هذه الأغنية رمزًا لفرحتنا كلما استقبلنا هلال شهر رمضان المعظم، تلك الأغنية التى استنبط روحها الشاعر حسين حلمي المانستيرلى وقام بتلحينها أحمد الشريف وغناها أحمد عبدالقادر للإذاعة المصرية.
وتابع الدكتور كمال مغيث كلمته حول مقرئين القرآن الكريم المصريين، وما قدمه كل منهم من إبداعات متميزة وأساليب فريدة؛ حيث أوضح أنهم استطاعوا تقديم قراءة بديعة مجودة، مبنية على أنغام المقامات الموسيقية المعروفة مثل مقام البيَّات، وهو مقام يمتاز بالخشوع، ومقام النهاوند الذي يبرز العاطفة ويبعث على ترقيق المشاعر، وأكد أن وضع المقرئ كفه خلف أذنه هي عادة مصرية خالصة، اعتاد على تأديتها المصري القديم وقت إنشاده.
وقد ترسخت منذ آلاف السنين فى مكنون الشخصية المصرية؛ فبفضل تلك الوضعية لليد خلف الأذن يستطيع القارئ أن يستمع بشكل أفضل لما ينشده من مقامات، وبذلك يكون أكثر تمكنًا من التجويد وإضافة العُرب الموسيقية، وقدم بعض التسجيلات الخاصة بتجويد القرآن بواسطة أبرز المقرئين المصريين مثل الراحل الشيخ مصطفى اسماعيل، وفي مختتم حديثه أكد أن رمضان فيما مضى كان يمتاز بالهدوء أكثر من وقتنا هذا، وكانت تعتبره الناس وسيلة للتسامح مع النفس والآخريين، بدون أي تدخل فى أمور الآخريين والحكم عليهم بالتقصير، سواء من لم يصم جراء مرضه وما إلى ذلك، فى الحقيقة كنا بعيدين عن هذا الرياء الذى بات يشكل ظاهرة متزايدة عما ألفه المصريين، وأكد كذلك أن أبرز الظواهر السلبية التى صرنا نشهدها خلال شهر رمضان مؤخرًا، تتمثل فى فكرة الإصرار على الصيام من قبل البعض، حتى فى حالة الأمراض الخطيرة مثل السكر وغيره، وهذا الأمر مرفوض لأنه يشكل خطر على الإنسان لا يريده الخالق عز وجل، حتى إننا نعلم أن الله يحب أن تؤتى رخصة.