
لم تكن احتفالية عادية، ولكن أشبه بقطع الألماس؛
فلولكلور بشري من أجناس مختلفة، لا يهم إن كنت من أبناء المطرية أم لا، فالكل مرحب به في هذا التجمع السنوي، لا تستعجب إن رأيت أمواج البشر من مصر ودول عربية وآسيوية، بل إن طالعتك وجوه أجنبية، فهذا هو المعتاد في إفطار 15 رمضان بالمطرية!.
على مائدة واحدة يتساوى فيها الوزير والخفير، وتتطابق أصنافها يأتي إفطار المطرية حاملًا معه روائح الزمن الجميل، كيف لا وقد صنعت هذه الأصناف بمحبة داخل كل بيت من بيوت المطرية، التي أصبحت تَسع من الأحبة 75 ألف، لتتحول الشارع الصامتة إلى رسائل حب وباقة زهور في شهر رمضان المبارك.
إنها رسالة عالمية بحضور سفراء ووفود أجنبية أن هنا بلد الأمان، وأننا نستقبل الضيف بابتسامة، وينطلق أيضا بابتسامة تزيد عن تلك التي استقبلناه بها، لتصبح 15 رمضان أيقونة محبة في القوى الناعمة المصرية، تؤكد أن رمضان أحلى وأن شعار هذا العام، لم يأت من فراغ لأن هذا الحضور الكبير يؤكد أن “مصر بخير”.
إن ثقافة الشعب المصري منذ القدم تشير بوضوح إلى أننا شعب مضياف، فليس غريبًا أن يمتد هذا الكرم، فتنبت بذور الخير في أرض مصر أشجارًا وارفة الظلال، تطرح البركة في كل شارع من شوارع مصر الآمنة، وتترك رسالة لكل زائر تقولها قسمات وجوه الزائرين: البيت بيتك، آنست ونورت، وغيرها مما تحفظه قواميس الفن الشعبي المصري.
إذا رزقك الله البركة، طرح في فكرتك القَبول، وربما يكون هذا من علامات القبول، ففكرة الحاج رجب التي بدأت بتجمع صغير لعدد من الجيران، كُتب لها القبول فصارت البيوت تسع كل هذه الآلاف من الأشخاص الذين لا يهرف أغلبهم بعضهم البعض، ولكن المتفق عليه عبارة واحدة “آنستوا ونورتوا” كما تعرفها الشوارع المصرية الجميلة.
على مدار شهور، يستمر التجهيز لهذا اليوم الذي يحيل شوراع “عزبة حمادة” بالمطرية إلى لوحة فنية، يزين الجدران عبارات الترحاب وشخصيات رمضان الكرتونية الشهيرة، من بكار إلى فطوطة، وعم شكشك، وبقلظ وغيرهم وغيرهم، فما إن تضع قدميك داخل أي شارع من شوارعها، حتى تعود بالزمن إلى الوراء لنحو 20 عامًا، وكأنك تجلس على مائدة بيتك، لا شيء يختلف عنها أبدًا.
هذه البهجة هي حصاد تعب هؤلاء الشباب الذين آمنوا بأن إدخال السرور على الناس من أعظم العبادات، فترى نخلة نحل في أشد درجات النظام والانضباط، فهنا مختص بالتواصل مع الإعلام، وهناك مسؤول التنظيم وحركة الأفراد، وثالث مهمته توزيع وجبات الإفطار على الموائد، ورابع للتوثيق والحفظ وخامس للاستعلامات، وغيرهم بالطبع في تجهيز الطعام والتعبئة والنقل وغيرها من المهام التي قد لا تظهر أمام الكاميرات، غير أنها ظهرت بالفعل في صحائف حسناتهم.
لا يمكن أن نتوقف عن الكتابة عن جمال هذا اليوم الذي صنع بمحبة، وطهيت كل حبة طعام فيه في بيت يعدها لضيوفه وهو يدرك أنها مناسبة ينتظرونها كل عام؛ ليكون تجمع العائلة والأصدقاء والأحباب، لتكون أبلغ تعبير وأقوى رسالة أن “مصر بخير” وأن موائدها عامرة بالحب قبل الطعام وبالابتسامة قبل الشراب. كل عام ومصر بخير بأهلها وشعبها الطيب، كل عام ومصر أمان.