كاتب ومقال

دار في خاطري| عدل الله

بقلم: ريم السباعي

ريم السباعي 

خيم الصمت والهدوء على الأم والأب وجلسا بلا حراك لبضع لحظات وكأن نزلت بهما صاعقة، وبعدها نظر الأب إلى الطبيب وقال بصوت خافت متعب: “أعد علينا ما قلته من فضلك”، فقال الطبيب وهو يتلعثم: “إن الطفل مصاب بإعاقة ذهنية”، ثم استعاد ثقته بنفسه وقال بصوت عال وواضح: “إن ذلك يرجع لإصابته بمتلازمة الحصبة الألمانية الخلقية”.

خرجا الزوجان من عيادة الطبيب ولم ينطق أحدهما بكلمة واحدة، وفور عودتهما إلى البيت ذهبت الأم بطفلها إلى غرفته لينام وبعدها انهمرت دموعها وعلا صوتها بالبكاء، أما الأب فقد جلس صامتًا، فمن البديهي أن يبدأ هو بكلمات المواساة ولكنه لم يكن في حال أفضل من حال زوجته فهو بحاجة إلى من يواسيه.

ظل الزوجان على هذه الحالة لبضع دقائق أو ربما بضع ساعات ولكن بالنسبة لهما فقد مر عليهما بضع سنين حتى استطاع الزوج أن يلملم شتاته ويهدئ من روع زوجته حتى كفت عن البكاء واستعادت قدرتها على الكلام وقالت: “كيف حدث ذلك؟! أنا لم ألتق بأي شخص مصاب بالحصبة الألمانية أثناء فترة الحمل”، فقال الزوج: “أظن أن الأمر مدبر”، فقالت الزوجة بعد أن أصابتها الدهشة: “كيف؟!” فقال: “أتذكرين جارتنا الحقود؟” فقالت: “نعم! ولكننا لم نرها منذ يوم زفافنا وانتقالنا إلى بيتنا الجديد”.

فقال الزوج: “أعلم ذلك ولكن تذكري جيدًا فعندما بلغ حملك شهره الثالث ألم تأتِ حفيدتها إلينا لتشرحي لها بعض المسائل في مادة الرياضيات قبل إمتحانات نهاية العام؟” فقالت: نعم! فقال: “ألم تكن مريضة وقتئذ؟!” فقالت: “أعتقد أنها كانت مصابة بالحمى ثم خفق قلبها بقوة وقالت: أتعنى أنها كانت مصابة بالحصبة الألمانية؟!” فقال: أعتقد ذلك.

فقالت الزوجة: “لذا كانت تضع مساحيق التجميل على وجهها”، فقال: “ألم تتعجب وقتئذ من ذلك الأمر؟! وقلت كيف لفتاة في الثالثة عشر أن تضع مساحيق التجميل هكذا؟!”، فقالت: “لقد كانت خدعة، فطالما حقدت علي جارتنا وكانت تكره لي الخير، وتشتاط غيظا كلما نجحت أو تميزت، حتي بعد زواجنا وعلمها بحملي أرادت أن تؤذيني!!” فقال: “أنا حتى الآن لست متأكدًا، ولكن سأتأكد بنفسي في القريب العاجل”.

بعد التأكد من أن تلك الفتاة كانت مصابة بالحصبة الألمانية، أحس الأب والأم بنار تحرق قلبيهما، فقال الأب: “لابد من الانتقام”، فقالت الأم بقوة وثبات: “لا! إهدأ قليلا وفكر بروية، بماذا يفيد الإنتقام؟! أيشفيه؟! أيعيده إلينا صحيح الذهن؟! أتود أن نصير أشرارا مثلها؟! استغفر الله واعدل عن الإنتقام”، فاستغفر الله ودعاه أن يلهمهما وطفلهما الصبر.

في اليوم التالي استيقظ الزوجين في حال أفضل، وشعرا براحة لم يشعرا بها منذ زمن، ورضا بقضاء الله، فقال الأب: “ما رأيك أن يذهب ابننا إلى نادي رياضي ليمارس الألعاب الرياضية التي تناسبه، فأنا على يقين بأنه سيتعلم تلك الألعاب ويتميز فيها”، أعجبت الأم بتلك الفكرة، وتملكها ذلك اليقين بأن الله سيجازيهم على صبرهم خيرًا.

تمر الأيام ويشب الطفل الذي نشأ راض بحاله، صابرًا على البلاء، لا تفارق الابتسامة وجهه، لديه إصرار على الوصول إلى مبتغاه، فبالإرادة والصبر تحقق له ما أراد، فلقد أصبح بطلًا في السباحة وألعاب القوى لذوي الإعاقة الذهنية، وخاض المسابقات وحصل على الكثير من الميداليات.

أما الجارة الحقود فلم يكن لديها الوقت الكافي لإلحاق الأذى بهذه الأسرة الصابرة، فلقد تأخرت حفيدتها الوحيدة في الدراسة بعد إصابتها في حادث فقدت على إثره ساقيها، كما أنها اكتشفت بعد زواج ابنتها الصغرى أنها عاقر، أما ابنها الوحيد فكلما أنجب طفلًا طواه الردى بعد أيام قلائل.

 

نبذة عن الكاتبة:

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى