كاتب ومقال

دار في خاطري| ذو الوجهين

بقلم: ريم السباعي

هل تثق بجميع البشر الذين تعرفهم؟! أم أنك تثق بأصدقائك المقربين فقط؟! أم أنك لا تثق بأحد فجميع البشر كاذبين ومنافقين؟! هل صادفت في حياتك الكثير من المنافقين؟! هل تعتقد بأن النفاق أصبح سمة أساسية من سمات هذا العصر؟! أم أن المنافق يبقى منافقا في أي زمان وتحت أي مسمى؟! وماذا يعني لك ذو الوجهين؟!

كثيرا ما نصادف في حياتنا أشخاصا نحبهم، نحترمهم، نثق بهم، وقليلا ما يستمر الحب، والاحترام، والثقة، فما أكثر البشر الذين تظن بهم الخير ثم تكتشف أن ظنك ليس في مكانه الصحيح.

وفي هذه الحال تظن بأنك أنت المخطئ، وحينئذ يتبادر إلى ذهنك سؤالا وهو “أيعقل أن كل هؤلاء البشر مخطئين وانا وحدي على صواب؟!” فلا تجد الإجابة الشافية له، فيظل السؤال يتكرر ويلح عليك لكي تجد له إجابة حتى توقن بأنك أنت المخطئ، وهنا تبدأ في التفكير فيما حدث، وفيما فعلت، وكيف أخطأت، وما الذي يجب عليك فعله من أجل تصحيح الخطأ.

ولكن في أغلب الأحيان لا تكون انت المخطئ، أجل! فأنت على صواب وجميع من حولك هم المخطئون، ولكن كيف تجزم بأنك على صواب؟! كيف تتأكد بأن الأغلبية حقا مخطئون؟!

إن ذلك الأمر يظهر بوضوح عند اكتشافك للكذب والنفاق، عندما تتأكد بأن من ضاعت ثقتك به ذو وجهين، وربما ذو لسانين، وعندئذ يتصارع بداخلك شعوران أحدهما فقدان الثقة بذو الوجهين هذا، والآخر هو عودة الثقة في نفسك التي لم تقترف ذنبا سوى أنك وثقت في شخص ليس أهل للثقة.

وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال ألا وهو كيف يصبح المرء ذو وجهين؟! إن ذلك الأمر يحدث بالتأكيد من أجل منفعة شخصية، فقد تجد أحدهم يتحدث إليك عن شخص بعينه فلا يذكر إلا المساوئ والعيوب التي اجتمعت به، وعندما يجده أمامه يظل يمدحه ويحصي مميزاته التي لا يراها به أو ربما لم تكن لديه على الإطلاق.

إن ذلك الفعل يعرف ومن الوهلة الأولى أنه نفاق، وكلنا يعي ذلك جيدا، ولكن في عصرنا هذا وبسبب كثرة هؤلاء المنافقين فأصبحنا نخشى من كلمة “نفاق” أو ربما نخشى من فعل شيء يغضب الله فتم إجراء عملية تجميلية للكلمة لتخرج من نطاق الحرام إلى نطاق الحلال الذي أحله البشر.

فكيف حدث ذلك؟!! فلقد تم إجراء العملية بنجاح كما يعتقدون فلم يعد ذلك الفعل نفاقا، بل أصبح مجاملة أو ذوق رفيع أو كلمات راقية، وعندئذ فقد خرجت من كونها فعل محرم يغضب الله إلى كونها شكل اجتماعي راقي ورفيع المستوى، إذن فقد أصبحت ضرورة من ضروريات الحياة! إذن فمن لا يفعلها فهو شخص همجي غير متحضر، لا يجيد معاملة البشر، فلا يجد أحدا يتعامل معه أو يتحدث إليه، بل يجب على الجميع تجاهله وعدم التعامل معه.

فلقد أصبح النفاق أو المجاملات الرقيقة كما يطلق عليها في قاموس العصر أمر موجود وطبيعي في حياتنا اليومية، فلم يعد مثيرا للشك والريبة، وذلك لأن فاعله ترسخت لديه الفكرة في أنه شكل إجتماعي راقي، فلا غرابة في أن تجد شخصا يتحدث بالسوء ثم يبدل كلماته في أقل من دقيقة، فهو لا يشعر بأنه مخطئ، فلقد تبدلت الكلمات، وتغيرت المعاني، وحللت المحرمات، ونسينا معنى النفاق ونسينا أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار.

اقرأ أيضًا: دار في خاطري| خارج الحدود

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى