كاتب ومقال

دار في خاطري| البريق الخداع

بقلم: ريم السباعي

ذهب أحد الأثرياء إلى شيخ يقال أنه حكيم، فسأله: لماذا يركض خلفي جميع البشر، يمطرونني بكلمات الحب والإعجاب؟! يتقربون إلي في المجالس، ويثنون علي، ولا أسمع منهم قبحا؟! فقال الشيخ: هل من أحد يكره محبة الناس له؟! فقال الثري: ولماذا لم يحدث هذا عندما كنت فقيرا؟!

عندئذ صمت الشيخ لبضع لحظات ثم قال: ما رأيك أن تدعو بعض من هؤلاء المتوددين إليك لتناول العشاء ببيتك، ومن ثم قدم لهم نوعا واحدا من الطعام، ولكن لا تقدمه في أطباق جميعها فاخرة، بل قدم طبقا واحدا فاخرا ثم تدرج في أنواع الأطباق وصولا إلى الطبق الرث، ومن ثم دع كل فرد يختار طبقا.

تعجب الثري من طلب الشيخ الذي لم يجد فيه الإجابة الشافية لسؤاله، ولكنه قرر أن ينفذ طلبه، وبالفعل قام بدعوة أصدقائه، أو من يدعون أنهم أصدقاؤه، وطلب من زوجته إعداد العشاء ووضعه بكميات متساوية في أطباق اختارها بعناية، وبحسب ما نصحه الشيخ.

وفي اليوم المحدد للدعوة آتى جميع المدعوون، فقدم لهم الطعام الذي كان عبارة عن أرز ولحم مشوي، ثم دعا كل فرد ليختار الطبق الذي يروق له.

وهنا كانت المفاجأة فقد تسارعت الأيادي لتحظى بالطبق الفاخر، وما أن استطاع أحدهم الوصول إليه حتى تسارعت الأيادي من جديد حول الطبق الذي يليه في الفخامة، وهكذا حتى بقي الطبق الرث لمن لم يستطع النيل بأي طبق أفخر منه.

وفي اليوم التالي ذهب الثري إلى الشيخ، وقص عليه ما حدث، ثم قال: عجبا لهؤلاء، يتسارعون من أجل نوع الطبق!! لقد كان صاحب الطبق الأفخم سعيدا، ينظر إلى الجميع نظرة المنتصر، بينما صاحب الطبق الرث مشمئزا، يتناول طعامه وهو ذليلا!!

ضحك الشيخ وقال له: قم بدعوتهم مرة أخرى، وقدم لهم الطعام في نفس الأطباق، ولكن في هذه المرة اجعل الطعام غير مستصاغ، تعجب الثري ثانية، ولكنه نفذ طلب الشيخ.

وبالفعل قدم الثري الطعام الذي كان في هذه المرة أرزا فقط، أضيف إليه أنواع متعددة من التوابل، وكثير من الملح، وبعض السكر مما جعله غير مستصاغ، ولم تكن هذه المرة أفضل من سابقتها، فلقد تسارعت الأيادي نحو الطبق الفاخر وهكذا، ولكن في هذه المرة لم يستطع أحد تناول الطعام، فالجميع تركوه عدا صاحب الطبق الفاخر الذي مضى يأكل وكأن طعامه مختلفا عن طعام الباقين، فلم يبدي أي انزعاج.

ذهب الثري إلى الشيخ وقص عليه ما حدث، فقال الشيخ: هكذا هم البشر ينظرون إلى المظهر الخارجي فقط، فيخطف البريق أبصارهم فينساقون إليه غير مبالين بما يخفي، فما يهم فقط هو الشكل الذي يتباهون به أمام الناس، حتى وإن كان ما يحويه قبيحا، فهؤلاء هم عشاق البريق الخداع.

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى