كاتب ومقال

دار في خاطري| الجرح الدامي (الجزء الثاني)

تولى التحقيق في تلك القضية المقدم صلاح شاهين الذي التقى بالحاضرين، وقد تشابهت أقوالهم حول ما حدث، ولم يلحظ أي منهم شيئا مريبا، أو شخصا غريبا قد تسلل إلى الغرفة، كما أنهم أجمعوا على أن الجميع يحبون هادي ولا يفكر أحد في قتله.

لقد تم التحقيق مع الجميع عدا الشاب الذي تحدث إليه بصوت عال، وزوجته دنيا، إن ذلك الشاب هو نادر ابن شقيق هادي، ولقد بحثت عنه الشرطة في كل مكان ولم تجده، أما دنيا فقد بقيت في غيبوبة لمدة يوما كاملا.

ما إن استعادت دنيا وعيها حتى طلب المقدم صلاح رؤيتها، فقبلت لقاءه في المستشفى، وصل المقدم وألقى عليها التحية ثم قال: أقدر حزنك وألمك سيدتي ولكن لابد من طرح بعض الأسئلة، وأعدك أنني لن أرهقك، قالت دنيا بصوت متعب: تفضل يا حضرة الضابط، قال المقدم: أولا قصي لي ما حدث منذ إنتهاء الحفل، قالت: كما يحدث عقب كل حفل، يتجمع الإعلاميون والجمهور حول هادي لعمل حوارات صحفية، والتقاط الصور التذكارية معه، قال: هل تتهمين أحدا ما؟ فنظرت إليه ولم تقل شيئا، فقال: أقصد هل كان لديه أعداء؟ فقالت: ليس لديه أعداء، وأنا لا أتهم أحدا بقتله، حضرة الضابط لم يكن هادي هو المعني بالقتل، بل أنا المقصودة، فقال المقدم: لقد أثبتت التحاليل وجود السم في كوب العصير الذي أعطيتيه إياه عوضا عن الكوب الذي سكب، قالت: أجل! إن ذلك الكوب هو كوبي، فقال: في رأيك من يريد قتلك؟ هل لديك أعداء؟ فقالت: ربما كان لدي أعداء، ولكنني لا أتهم أحدا، فقال: ماذا تقصدين؟!

فقالت: أي امرأة في مكاني من الوارد أن تكون لها أعداء، فمن الممكن لأي واحدة من جمهور هادي أن تفقد عقلها وتقتلني، قال: علمت من إحدى الصحفيات أنك كنت متعبة جدا، فلماذا حضرت الحفل؟ قالت وقد اغرورقت عيناها بالدموع: لقد تعرضت للإجهاض في صباح ذلك اليوم، وعلى الرغم من ذلك حضرت، ومثل ذلك الأمر لا أود أن يصل إلى الصحافة، فقال: هذا ما أكده الطبيب، ولكن كان يجب عليك الراحة في البيت، فقالت: منذ تزوجت هادي أي منذ عشرة أعوام لم أتركه بمفرده في أي حفلة، فعلى الرغم من أن الجميع لا يرى ضرورة لوجودي، إلا أنه بالنسبة له ضرورة لا يستطيع الاستغناء عنها، فأنا وحدي في هذا العالم يعلم ما يريد دون أن يتكلم، كما أنني اعتدت الإجهاض، فهذه ليست المرة الأولى، فكلما بلغ حملي شهره الثاني أو الثالث على أكثر أجهضت دون معرفة سبب لذلك، ثم انفجرت باكية.

شعر المقدم بأن لابد أن يتركها الآن ولكن حديثه معها لم ينته بعد، فتركها وقبل أن يغادر أخبره الشرطي بأنه تم العثور على نادر وتم استدعائه إلى قسم الشرطة.

التقى المقدم بنادر الذي كان في حال يرثى لها إثر علمه بمقتل عمه، قال المقدم: هدئ من روعك وأخبرني، أين ذهبت بعد إنتهاء الحفل؟ فقال نادر بصوت مختنق: سافرت برفقة ثلاثة من أصدقائي إلى شرم الشيخ، قال المقدم: ولكن جميع الحضور سمعوا كلماتك لعمك بأنك ستنتظره في بيته، قال نادر: أجل! قلت ذلك، ولكن بينما أنا في الطريق إلى بيته وصلتني رسالة من صديقي يدعوني إلى الذهاب معهم إلى شرم الشيخ، قال المقدم: ألم تفكر في إبلاغ عمك بسفرك؟ قال نادر: لا! إنني أعلم بأن أمري لا يعنيه، ولأنني أعلم بأنه غاضب مني بسبب حديثي بهذه الطريقة أمام الجميع، وزوجته أيضا غاضبة، فحين سكب العصير نظرت إلي باشمئزاز، قال المقدم: ولماذا حدثته هكذا؟ فقال: فعل طفولي، لكي أثير غضبه، ولكن أمر سكب العصير حدث بدون قصد، فلقد تعثرت في كرة صغيرة، ولم أكن أقصد فعل هذه الضجة.

قال المقدم: في رأيك من وضع السم لعمك، أو بشكل أدق من أراد قتل زوجته، قال نادر: لا أعلم فكلاهما يحبهما الجميع، ماذا؟! زوجة عمي؟! ربما كانت .. قال المقدم: من؟! قال: إحدى المعجبات، فقال المقدم: ألم تلحظ شيئا غريبا؟ أحد ما كان يحوم حول أكواب العصير؟ قال نادر: جميع من في الغرفة في حركة دائمة، وكما يحدث بعد إنتهاء كل حفل تحضر زوجة عمي العصير وتملأ كوبا له وكوبا لها، وذلك على مرأى من الجميع، قال المقدم: قلت أنك تعثرت بكرة، فما الذي أتى بها إلى الغرفة؟ فقال نادر: ربما كانت لأحد الأطفال، أو ربما أهداها عمي لأحد الأطفال، إن الأطفال يحبون عمي كثيرا، وهو أيضا كان يحبهم كثيرا، ويقدم لهم الهدايا دائما.

أنهى المقدم حواره مع نادر وأخبره بأنه سوف يستدعيه ثانية، ومن ثم أتى الشرطي ليخبره بظهور أمر جديد يخص القضية، فأمر باستدعاء رانيا لاستجوابها مرة أخرى.

بقلم:
ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى