محاضرة عن الأراجوز وخيال الظل والمسرح الشعبي بمقر الأمم المتحدة بجنيف
قدمت فرقة “ومضة” لخيال الظل وعروض الأراجوز، عرضاً بعنوان “المخايل والخليفة”، ومحاضرةً بعنوان المسرح الشعبي العربي ولغات التعبير الضمني، وذلك اليوم، الثلاثاء الموافق 13 ديسمبر الجاري، وتأتى المحاضرة في إطار احتفال الأمم المتحدة بيوم اللغة العربية بمقرّها في جنيف.
وقدم الدكتور نبيل بهجت رئيس ومؤسس فرقة ومضة لخيال الظل عبر تقنية زووم محاضرة بعنوان “المسرح الشعبي العربي واللغات الضمنية”، والتي تناول فيها اللغات المختلفة التي تشكّل المعنى والدلالة لعروض المسرح الشعبي، تحديداً خيال الظل والأراجوز” بعض عروض الأراجوز وخيال الظل والتي قدم من خلالها عرض عرض المخايل والخليفة والمستلهم من الحادثة المشهورة لصلاح الدين الأيوبي والقاضي الفاضل حول فنّ خيال الظلّ، كذلك يستفيد العرض بشكل مباشر من بابة طيف الخيال لابن دنيال.
وتابع بهجت: “ويبدأ العرض بطلب الخليفة بمنع خيال الظل إذ أنه أصبح باباً للخلاعة والمجون على حد قوله، فيعرض عليه المخايل أن يقدّم له عرضاً لخيال الظلّ محتكماً إلى القاضي الفاضل ليفصل بينهما في جواز هذا الفنّ من منعهِ، فيعرض عليهِ جزءاً من بابة طيف الخيال والتي تدور أحداثها حول توبة الأمير وصال، حيث يسعى الأمير لاستثمار توبته لحصد مكاسب رخيصة فيعلن أنه سيتوب ويتجوز أجمل امرأة في المدينة، ليستثير حفيظة الناس الذين يتآمرون عليه فيعقدوا له على “آتان”، وهي أنثى الحمار. يدرك الأمير مغزى الرسالة ويعتزل الناس بعد ما زالت هيبته ووقاره ويقرر الارتحال إلى الحجاز، وينتهي العرض ليسأل المخايل الخليفة والقاضي عن رأيهما فيه، فيقرر القاضي أنه عبرة وعظة ويؤكد الخليفة قول القاضي، ليعدّل قراره ويستمر المخايلون في تقديم خيال الظل”.
مشيرًا إلى أن العرض قدم ضمن عروض فرقة ومضة بمهرجان الأراجوز المصري في دورته الثالثة من إعداد وإخراج د.نبيل بهجت، وبطولة علي أبوزيد سليمان ومصطفى الصباغ ومحمود سيد حنفي وصلاح بهجت.
مضيفًا: “ويمكن أن نقسّم اللغات الضمنية لخيال الظل على مستويين، الأول ما شَكّلَ الواقع الظاهريّ للفن وكوّنَ ملامحه العامّة، والثاني ما كوّن مضامينه ومغزاه. ويمكن أن نُجمِلَ المستوى الأول في قول ابن دنيال في مستهل بابة طيف الخيال” وصنفت لك من بابات المجون، والأدب العالي لا الدون، ما إذا رسمت شخوصه، وبوّبت مقصوصه، وخلوتَ بالجمعِ، وجلوتَ الستارةَ بالشمعِ، رأيته بديعَ المثالِ يفوق بالحقيقة ذاكَ الخيالِ، واستبدى بالنشيد، وغن في راست بهذا القصيد”. فالأدب العالي لا الدون هو النصُ اللُغَوِيّ، ورسمتُ شخوصَهُ هو التصميمْ وبوبت مقصوصه هو التنفيذ وخلوت بالجمع هو تجهيز المسرح والستارة تعني بناء وسيط العرض والشمع هو الإضاءة وبديع المثال هو المنظر العام واستبدى بالنشيد يقابله البداية الغنائية وراست هو المقام الموسيقي والقصيد هو الشعر. حيث أدرك الفنان العربي بثقافته الإسلامية العلاقة بين النور والظل وما ينتج عنهما من تفاعل من فلسفة ودلالاتْ، وهو ما انعكس في تصميم دمى خيال الظل الذي تأسس على العلاقة بين المُصْمَتِ والمفرّغ؛ ليكتسب الشكل دلالته من خلال الإدراك الكلي، ويعتمد التصميم على تكرار الوحدات الزخرفية مستمدًا ذلك من وعيه بنمط التكرار الكوني وتحديدًا على مستوى الزمن. ولقد تركت المنمنمات وفنون العمارة المختلفة آثارَهَا على التصميمِ سواء في استلهام التكوين الإيقاعيّ داخل الخطوط الداكنة المعتمد على الألوان والزخارف في تشكيل المنمنة، أو استلهام إشارت الرُتَبْ “أو “الرِنُوكْ” من العمارة والتفاصيل المختلفة.
متابعًا: “أما القسم الثاني من تلك اللغات الضمنية، وهو الذي كوّنَ المضامين العامة لتلك الفنون والفلسفة الأساسية لها، يمكن أن نحدده في: المراوغة والتستّر والمرونة والالتصاق بالواقع والسريّة والتسيير والإحكام والسهولة والمتعة. حيث ارتبط فن خيال الظل بالفضاءِ العام، لذا كان السؤال عن مشروعيته سؤال متكررًا، مما دفع صلاح الدين لأخذْ رأيْ القاضي الفاضل في شأن إقرارهِ مِنْ منعِهِ، بينما منَعَهُ وحاربه بعض السلاطين واصطحبه السلطان شعبان معه للحج عام 778، وخلق هذا السؤال حسا مراوغًا لدى الفنان فعلى سبيل المثال يتحايل الفنان على فتوى تحريم التجسد والتصوير بوضع عصى التحريك في قلب الدميه ليقول أنها غير حية، وجعل من التوبة نهاية لمعظم البابات ليبرّرْ عرض الخلاعة والمجون في بدايتها، ونراهُ في الرواية الشهيرة عن صلاح الدين والقاضي الفاضل يختار موضوعا يجعلُ القاضي يُفتِي بضرورة استمرار فن خيال الظل ويعرض لسليم الأول عرضاً يدفعه لنقله لتركيا كي يشاهده ابنه، في الوقت الذى صنّفَ لنا فيه ابن دنيال باباتِهِ بأنها من أبواب الخلاعة والمجون، فمراوغة الانتقاءْ هي التي حفظت هذا الفن في مواجهاته المتكررة مع سلطةِ المنع والرقابة”.
وأكّد “بهجت” أن اللغات الضمنية للمسرح الشعبي قد تتسع في بعض أنواع المسارح الشعبية الأخرى لتتضمن عناصر جديدة تشكل الملامح الظاهرية والمضامين الخاصة بالمسرح الشعبي، إلا أن بعض ما أوردناه في هذه المحاضرة عن خيال الظل تحديدا من لغات ضمنية هو جزءٌ أصيلٌ في مختلف أشكال المسرح الشعبي العربي الذي يُسهِمُ بشكل كبير في تشكيل الدلالة والمعنى العام للعرض.
والجدير بالذكر أن المحاضرة والعرض جاؤوا في إطار احتفال الأمم المتحدة بيوم اللغة العربية وللتأكيد على أن أساليب التعبير الفنّي والتي حملتها لغتنا العربية متغيرة ومتنوعة ومتداخلة مع العديد من الفنون المختلفة.