انطلاق ملتقى القاهرة الدولي السابع للتراث الثقافي غير المادي بالأعلى للثقافة
تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة؛ والدكتور سالم بن محمد المالك المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو”، نظم المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور هشام عزمي؛ وبالتعاون مع منظمة الإيسيسكو ممثلة في قطاع الثقافة والاتصال؛ ملتقى القاهرة الدولي السابع للتراث الثقافي غير المادي- دورة الدكتور أحمد مرسي تحت عنوان: “التراث الثقافي غير المادي في العالم الإسلامي.. المشترك والمتنوع”، والذي نظمته لجنة التراث الثقافي غير المادي بالمجلس.
ويأتي الملتقى في إطار ختام الفعاليات الثقافية التي نظمتها جمهورية مصر العربية احتفاء باختيار القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية؛ وبدأ الملتقى بالكلمات الافتتاحية، وقد بدأ الأمين العام للمجلس الدكتور هشام عزمي حديثه قائلًا:
لعلَّ من حسن الطالع أن يكون الملتقى هو الأول الذي يقوم به المجلس الأعلى للثقافة بعد زوال غمة الجائحة، والتي أثرت في كثير من الفعاليات والأنشطة خلال العامين الماضيين، وربما تكون الجائحة قد أدت إلى تأجيل بعض هذه الفعاليات، ولكنها يقينًا لم تؤثر في استمرار زخم الإبداع في مصر، وبخاصة فيما يتعلق بتراثها غير المادي بما يشتمل عليه من حرف وصناعات ثقافية.
فإن مصر تتمتَّع بمخزون تراثي متفرِّد في تاريخ الإنسانية، ويشهد تاريخها القديم الفرعوني والبطلمي والقبطي والإسلامي وصولًا إلى العصر الحديث بهذا التفرُّد والتميز.
وفي كل مرحلة من مراحل التاريخ المصري كانت الثقافة والفكر والإبداع حاضرة وبقوة، وكانت هي دومًا روح الحضارة المصرية، بل إن مصر لم تنهض إلا بها، فلا زراعة ولا صناعة ولا نهضة إلا بفكر يدعمها وثقافة تسندها وإبداع يعززها.
وأضاف أن مصر عبر تاريخها الطويل تميزت بتنوع تراثها الثقافي، وأسهم في هذا التنوع عوامل داخلية وبيئية واجتماعية، حيث كان تنوع سكانها واختلافهم ما بين سكان حضر وريف وبدو، وكذلك تنوع بنيتها ما بين صحراوية وزراعية وساحلية مع تباين اللهجات والعادات والتقاليلد عاملًا رئيسًا في ترسيخ قيم التنوع والاختلاف، ومغذيًا وداعمًا لها عبر العصور، فضلًا عما أسهمت فيه العوامل الخارجية والتي تمثلت في التفاعل مع الثقافات المختلفة التي وفدت إلى مصر بطرق مختلفة منذ العصور القديمة.
وهكذا تشكلت مظاهر التنوع الثقافي في مصر، فمن سيوة إلى النوبة، ومن القناة إلى الصعيد ومن سيناء إلى الوجه البحري تتنوع الثقافات ويتباين التراث تنوعًا يبدو في ظاهره اختلافًا، ولكنه كان دائمًا في جوهره عامل توحيد، لا تفريق، بل انصهار في بوتقة واحدة ترسِّخ وتعزِّز الروح والهوية.
وعن التنوع الثقافي أيضًا قال إنه واحد من أهم مظاهر حيوية مصر الثقافية، تلك الحيوية التي جعلت من مصر بلدًا متفردًا في منطقتها ورائدًا في هذا المجال، فالحيوية الثقافية لمصر شكلت وجدان الشعب المصري، وجعلت من موسيقاه وأغانيه قانونًا، ومن كلماته هديًا ونورًا، وجعلت من البسمة والضحكة عنوانًا للمصرية، حيوية ثقافية حصنتهم وأكسبتهم القدرة على المقاومة عبر الأزمان.
وألقى كلمة أسرة الراحل اللواء خالد مرسي، شقيق الدكتور أحمد مرسي موجهًا الشكر إلى المجلس الأعلى للثقافة ووزارة الثقافة، ومشيدًا بدور منظمة الإيسيسكو لمشاركتها في هذا الملتقى.. قائلًا:
نعم.. أحمد مرسي حارس التراث المصري.. لأنه قدم لوطنه وللأمة العربية مسيرة حافلة من الجهد والعرق والنضال، ولا أبالغ فقد كنت شاهدًا ومعاصرًا كأحد أفراد أسرته الصغيرة على حجم عطائه الممتد طوال حياته من أجل الحفاظ على تراث مصر وقيمها الباقية، مشيرًا أن هذا التراث هو روح الوطن، وجمع التراث هو السبيل للحفاظ على هويتها في عالم تسوده العرقية والعنصرية.
مؤكدًا أنه تعلم من الراحل القدير وفهم منذ الصغر ماذا يعني الأمن القومي بمفهومه الشامل، وأدرك معاناته والتحديات التي كانت تواجهه في الحفاظ على هوية هذه الأمة، فالحفاظ على التراث قضية أمن قومي، وتتساوى مع الحفاظ على أراضيها.
معربًا عن أمنيته بمواصلة الجهود الحثيثة التي بدأها الراحل الدكتور أحمد مرسي، مفنيًا فيها عمره، للحفاظ على التراث الشعبي للوطن وللأمة العربية، لا سيما ونحن نعيش في عالم شديد التعقيد، فالحفاظ على هويتنا يشكل أحد محاور الأمن القومي المصري.
وقدمت الدكتورة نهلة إمام مقررة اللجنة العلمية للملتقى الشكر لمؤسسة الإيسيسكو، ونعت داعم وحارس التراث الدكتور أحمد مرسي.. الذي كان حلمه إعداد أرشيف للتراث يجمع كل ما يحتويه من كنوز، وبشرت الحضور بأن اللجنة والمهتمين والمتخصصين أخذوا الضوء الأخضر وإشارة البدء من الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة لتحقيق حلم الراحل الكبير في إعداد أرشيف نباهي به الجميع، وعن الحداثة الحقيقية فيما يخص التراث قالت إنها تعني العنصر الأهم وهو توظيف التراث وليس معرفته فقط، فهو كما وصفته المنطقة الآمنة لالتقاء الشعوب وتقاربهم، مضيفةً أن محاور الملتقى كثيرة ومتنوعة، ولأهمية تلك المحاور فقد استقرت اللجنة على تخصيص ندوة مستقلة لكل محور من تلك المحاور.
وألقى الدكتور أسامة النحاس كلمة منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) قائلًا: تأتي مشاركة الإيسيسكو في تنظيم هذا الملتقى ودعمه لتكون دليلًا لا يقبل الشك على اهتمام الإيسيسكو بكل مجالات التراث وليس التراث المادي فقط، فقد أولت الإيسيسكو في رؤيتها الجديدة اهتمامًا كبيرًا بالتراث بكافة أنواعه لا تفريق ولا تمييز ولا تمايز بين أنواعه، فلكل مجال دوره في حماية مقدرات وهوية الأمم والشعوب التي تنتمي إلى منظمتنا باختلاف مشاربها ومنجزاتها.
وقد أولت الإيسيسكو اهتمامًا غير مسبوق بالتراث غير المادي، فقامت بوضع قسم للتراث غير المادي في هيكل مركز التراث في العالم الإسلامي، وأفردت استمارة لتسجيل التراث غير المادي على قوائم التراث في الإيسيسكو، وأصبح له قائمة مستقلة تزداد يومًا بعد يوم وقابلة للتطوير بجهود أبناء العالم الإسلامي المتخصصين في التراث غير المادي.
إن الإيسيسكو لا تنظر إلى التراث غير المادي فقط باعتباره هوية الشعوب، بل أيضًا باعتباره قاطرة من قاطرات التنمية المستدامة، فلم يعد التراث غير المادي وسيلة لحفظ ما توارثناه من أخلاق وعادات وتقاليد وحرف، بل أصبح الحفاظ على هذا التراث وسيلة لرخاء الشعوب ونموها وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في التعليم والصحة ومحاربة الفقر والمساواة وما إلى غير ذلك من أهداف التنمية المستدامة.
وفي هذا الصدد أعلن عن آخر ما قامت به الإيسيسكو في مجال التراث غير المادي نهاية شهر فبراير الماضي، إذ عقدت في نواكشوط أول اجتماع إقليمي من أجل البدء في إعداد ملف مشترك بين الدول الأفريقية حول تسجيل عنصر من عناصر الألعاب الأفريقية على قوائم التراث في الإيسيسكو والتراث العالمي. هذا الملف سيكون الأول من نوعه الذي تقوم الإيسيسكو بإعداده ملفًّا مشتركًا بين حوالي 25 دولة حتى الآن من ضمنها مصر، وسيكون هذا الملف نواة لملفات أخرى مشتركة في مجال التراث غير المادي والتراث المادي.