كاتب ومقال

إبداعات كلمتنا| “لماضة بنت ألاطه”

قانون الحارة ثابت لا يتغير، لماضة فاتنة الحارة ومعذبة قلوب رجالها، بعد طلاقها من عرباوي الشرباصي وعودتها لبيت أبوها مأمون ألاطه أكثر أهل الحارة غرور وكبرياء وحرص على الظهور الدائم بمظهر الوجهاء رغم أنه ليس منهم ولن يكون، أصبحت مجرد مُطلقة الكل يبحث ويتحدث عن السبب وراء طلاقها..

قصة حب لماضة وعرباوي شهدها الجميع وحضروا جميع فصولها منذ أن كانوا صبية صغار، عرباوي صاحب الوجه شديد السمرة والملامح الغليظة، هو من كسب معركة الفوز بقلب لماضة رغم أنه ليس الأوسم ولا الأفضل ولا حتى الأكثر عشقًا لها، لماضة بنفسها تعلل إختياره بأنه كان أكثر جراءة وأول من إقترب منها وحاول لفت نظرها، هيبة جمالها جعلت الآخرون لا يخطون خطوة واحدة نحو قلبها..

للجمال هيبة يقف الأغلب أمامها ضعاف فاقدون الثقة بأنفسهم، جمال وجهها وقوامها لم يشفعوا لروحها أن توقن حقيقة أنها أجمل بنات الحارة على الإطلاق، بداخلها في أعمق نقطة بروحها، تظن أنها باهتة الجمال، عصبية متوترة سريعة الغضب والإنفعال..

ثلاث سنوات من الصراع والندية حتى صاح عرباوي بوجهها بغضب عارم ورمى عليها يمين الطلاق، ألاطه المغتر بنفسه شاط وهاج وماج لفعلة عرباوي الشنعاء، ليالي متعاقبة جلس فيها في مقهى الحارة يسب عرباوي ويلعنه ويؤكد على ندمه أنه وافق على نسب عائلة الشرباصي من البداية..

العيون تلاحق لماضة كلما خرجت من الدار، الزواج لم يفعل بها شئ أهم من أن جسدها أصبح أكثر فتنة واغواء، ومن في أهل الحارة يملك أعين ترى لماضة من الداخل، من يرى حزنها وحسرتها على ما آلت إليه حياتها، بعد أن كانت تخطوا في الحارة بخطوات بطيئة هادئة واثقة وهى مبتسمة ومدركة أن كل الأعين تلاحقها بإنبهار وافتنان، أصبحت تهرول في مشيتها وهى مرتبكة متوترة وتشعر بنظراتهم إليها أشد من ضربات السياط..

ألاطه في كل ليلة يعود للدار يحمل طلب أحدهم الزواج من لماضة، لم تنتهي عدتها بعد ومع ذلك الأغلب قرروا دخول سباق الفوز بها، “حار ونار في جتتك يا عرباوي” هكذا كانت تُعلق الألسن على خبر الطلاق، لماضة تسمع أسماء العرسان بإستهجان وسخرية، أغلبهم متزوجون بالفعل أو مُطلقين، رغم قلة تعليمها، إلا أن تلك الأمور تفهمها وتدركها من لم تقرأ حرف واحد طوال حياتها..

ليست عروض زواج، فقط كلهم يحلمون بتناول وجبة دسمة شهية إسمها لماضة، رفض ألاطه العرسان المتكرر جعل النفوس تبحث عن الثأر وبدأت القصص تنتشر في الحارة، لم يعد يهم أحد البحث عم لقمة عيشه بقدر حرصه على سماع قصص لماضة الجديدة، مرة يقولون أنها ملبوسة فتنت الجن ووقع في عشقها جن سفلي فرّق بينها وبين عرباوي ليحظى بها وحده، ومرة يهمسون أن عرباوي ضبطتها مع رجل غريب في داره وفوق فراشه..

أهل الحارة يسردون بكل سلاسة أبشع التخيلات، وفي نهاية الحكي تنقلب ملامحهم بفزع وورع وهم يستغفرون ويؤكدون على خوفهم من الخوض في الأعراض، عرباوي لم يهتم، فقط يبصق في الأرض مدعي عدم الإهتمام ويقول بصرامة، بعد أن أبصق في الأرض لا أنظر ورائي وأكمل طريقي..

نساء عائلة الشرباصي بجدية مُطلقة وعزيمة صارمة لم يهدأوا إلا بعد أن وجدوا لعرباوي عروس “زي لهطة القشطة” وأغلقت الحارة من الجانبين في ليلة عرس عرباوي على عروسه الجديدة، ليلة تبارت عائلة الشرباصي في جعلها صاخبة سمعت عنها كل الحارات المجاورة، تزوج عرباوي ولا يهم بعد ذلك ماذا يقول أهل الحارة عن لماضة..

أناقة الاطه تضاعفت وحرصه على كي جلبابه أصبح أمر بالغ الأهمية، بداخله يؤمن أن وجاهة طلته تهزم أي شئ يقلل من شأنه، بداخله رغبة عارمة أن تتزوج لماضة وبزواجها تنقطع الألسنة وتتوقف القصص والحكايات..

لماضة ترفض وترفض وتصرخ وتهدد بقتل نفسها كلما حاولوا معها والضغط عليها لقبول اي شخص من طابور العرسان، كلهم منفرين لم يستطع أحدهم أن يقتحم حصن قلبها المحطم بقسوة عرباوي، تؤمن أنها ضحية ولا تعترف لحظة أنها من أدمت قلب عرباوي وسودت حياته حتى طفح كيله وطلقها..

منذ نعومة أظافرها لم تعترف مرة واحدة بخطئها مهما كان الأمر بسيط، نجيب إبن جارهم شيخ الكُتاب يقابلها وهى تصعد السلم مهرولة، قبل أن تصطدم به تتوقف وتتلاقي الأعين ويظهر ارتباك نجيب بوضوح وهو يحدثها بتلعثم وإبتسامة لا ترتسم سوى على شفاه عاشق هائم منذ سنوات..

نجيب المبتسم خطف قلب لماضة المتحفزة بإستمرار، تكرر لقاءهم على السلم ولا أحد منهم يعرف هل حدث بفضل الصدف، أم أن من أراد شئ سعى إليه، قانون الحارة الثابت أكثر من جدران منازلها جعل نجيب يفعلها ويرسل شقيقته لسؤال لماضة في الزواج منها، العريس الأول الذي يتخطى ألاطه ويطرق باب لماضة مباشرًة..

غلظت الشروط والتعهدات قبل أن تسمح له بلقاء ألاطه في المقهى وسط حظوته وطلب يدها، لم يعر ألاطه الأمر اهتمام ولماضة توافق بمجرد إخبارها، لا شئ أهم من رد الصفعة على وجه عائلة الشرباصي وإقامة عرس يفوق عرس عرباوي..

نجيب بعد مرور أشهر على الزواج، لازال لا يُصدق أنه تزوج من لماضة، يقضي الليل ممد بجوارها وهى نائمة يتأمل وجهها بعشق يفوق عشق قيس إلى ليلى، لم يتوقف لحظة عن مغازلتها وتقبيلها والهيام في جمالها، لكن… لكنها لماضة وما يحمله قلبها، لا تعترف بتقصير.. لا تعترف بخطأ..

بدأت مشوارها نحو المشاكل بسرعة فائقة، كل ما فعله معها عرباوي، إتهمت به نجيب حتى إن لم يفعل، تُقسم أنه كان ينوي فعله، بركان عداء وكراهية نحو الجميع، نجيب مسؤول ومدان بما فعل عرباوي نجيب مسؤول ومدان بما قاله أهل الحارة كذبًا، الحياة أصبحت لا تطاق..

حتى تلك اللحظات التي كان يقتنصها للتحديق في ملامحها وهى نائمة، أصبحت في خبر كان بعد أن زادت حدة الشجار بينهم وأصبحت تنام في غرقة منفصلة بعد مشاجرة كل ليلة التي لم يعرف أبدًا نجيب سببها، الوقت يمر والأمور تزداد تعقيد والإتهامات تتعدد بشكل لا يتحمله عقل نجيب..

وما بعد الغليان غير الإنفجار! صاحت بوجه وهى تسبه وتطلب الطلاق، لم يرتكب جريمة، لكنه بالتأكيد سيفعل، فعلها عرباوي من قبل، كل الذكور عرباوي، تحمل وتغاضى وتجاهل حتى دفعته بكل قوة واصرار نحو الصراخ بوجهها وطلاقها، الحارة تستيقظ على الخبر نجيب طلق لماضة..

ألاطه عاد لحرصه على كي جلبابه، ولماضة عادت لهرولتها وهى تعبر بيوت الحارة، وأهل الحارة عادوا لنسج قصص جديدة أكثر وقاحة وجراءة عن لماضة بنت ألاطه.

بقلم
أحمد عبد العزيز صالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى