كاتب ومقال

إبداعات كلمتنا| “ليلة الثأر من القطار”

صدمة عارمة أصابت أهل البلد فور سماعهم خبر تعرض بدر أفندي لحادث أودى بحياته، الشاب الحازق وأول من ذهب للجامعة من أهل البلد، صدمه القطار وقتله على الفور، الحزن في البلد تحول لعجوز يائس طرق كل الأبواب، لم يكن لدر مجرد طالب نابغ بحسب، بل كان أكثر شباب البلد طيبة وشهامة، أحبه كل الصغار وكانوا يزرون بيته ويجلسون في حوش الدار الواسع في دائرة كبيرة وهو يتوسطها ويقص عليهم القصص ويعلمهم القراءة والكتابة، كلما وصل خطاب من مغترب يهرول متلقيه لبدر ليقرأه عليه مرة واثنان وثلاث..

أحب الجميع وأحبه الجميع وله مع كل فرد قصة وموقف، الجنازة مهيبة بعد وصول الجثمان في عربة كرر صراخها ودويها كل لحظة وإختلط مع صراخ النساء المتشحات بالسواد، وثب الأطفال عشرات المرات للمشاركة في حمل النعش لكن قامتهم القصيرة وأذرعهم الصغيرة لم تمكنهم من الفعل، بكاءهم إختلط بهمهمات المشعيين ونداءات التوحيد حتى أتم شيخ المسجد الدعاء واصطف المعزيين في صف طويل منتظم في خط طويل تعرج حتى أخر واحد فيهم، لم يعرف الصغار ماذا يفعلوا ولا أين يذهبوا غير دار بدر، تجمعوا في الحوش بصمت في دائرة بها مكان واحد فقط فارغ في منتصفها، بعد صمت طويل صاح أحدهم بصوت أكبر من عمره وأغلظ من حنجرته الصغيرة “لابد من الإنتقام من القطار”..

قاتل بدر لابد وأن يعاقب ويأخذ جزاءه، لن يصمتوا ويقفوا مكتوفي الأيدي أمام القاتل المعروف والذي يمر بجسر البلد ثلاث مرات كل يوم بوقاحة وكأنه لا يخشى ثأرهم وهو قاتل ملطخة عجلاته بدم بدر الطيب البشوش، صاح أحدهم بعد أن إنتقض واقفًا بحماس وجدية وإقدام، السمك يموت كل عام في الترعة وقت الجفاف بعد سكب السم فيها..

إقترب منه آخر وأخبرهم بصوت خفيض أن بدارهم بعض من سم الجفاف الماضي تحت فراش والده، تجمعوا وقت القيلولة وخلو الجسر من المارة وهم يحملوا وعاء من الماء المخلوط بالسم، لا يعرفوا أين يوجد فم القطار على وجه الدقة، لكنه بلا شك يدوس بعجلاته الحديدة على القضبان، سكبوا محتوى الوعاء فوق القضبان ثم إختبئوا خلف النخل والأشجار، وقت طويل مر ببطء يفوق بطء السلحفاة حتى هل القطار قادمًا من بعيد مهرولًا بسرعة مفزعة، بعد أن مر فوق المنطقة المبتلة بالماء المسموم لمح السائق الصغار وخشي أن يعبر أحدهم القضبان دون حرص فأطلق نفير القطار الحاد المرتفع..

هلل أحدهم بفرحة وهو يصيح بفرحة، شرب القطار السم وصرخ من شدة الألم ولابد أنه سيموت بعد قليل، أتموا الثأر وقتلوا القطار وهرولوا لجبانة البلد ووقفوا في صفوف أمام قبر بدر وهم يأخذوا دوره لأول مرة ويقصون عليه كيف ثأروا له وقتلوا القطار.

بقلم
أحمد عبد العزيز صالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى