البيئة من أجل السعادة بالأعلى للثقافة
تحت رعاية الأستاذة الدكتورة نيفين الكيلاني؛ وزيرة الثقافة، والأستاذ الدكتور هشام عزمي؛ الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، نظمت لجنة الجغرافيا والبيئة بالمجلس بالتعاون مع الجمعية الجغرافية المصرية بإشراف الأستاذ الدكتور عبدالمسيح سمعان؛ مقرر لجنة الجغرافيا والبيئة بالمجلس، والأستاذ الدكتور محمد السديمي؛ رئيس الجمعية الجغرافية المصرية يقيم المجلس الأعلى للثقافة مؤتمر “البيئة من أجل السعادة”.
استهل الدكتور هشام عزمي كلمته في الجلسة الافتتاحية معربًا عن مدى سعادته بعنوان المؤتمر قائلًا: ربما تكون السنواتُ الأخيرة قد شهدت اهتمامًا عالميًا بقضية البيئة التي كان يتم التعامل معها من قبل على أنها مظهر جمالي، ولم ندرك قيمتها الحقيقية إلا الآن، أو لعل انشغالنا في قضايا أخرى جعلنا نهمل الاهتمام بالشيء الأساسي في وجودنا؛ البيئة.
فلم يعد الحديث عن البيئة وتأثيراتها على كل من يعيشون فيها ترفًا، بل أضحى ضرورةً ملحة خاصة لبني البشر الذين كانوا أول من أساءوا لها أو أهملوها على أقل تقدير، بما أدى إليه ذلك من انعكاساتِ سلبية كان الإنسانُ نفسهُ هو أول ضحاياها.
إن الربطَ بين البيئةِ والإنسان، كان جليًّا منذ خلق اللهُ سبحانه وتعالى الأرضَ والكائناتِ الحية، وبعثَ الإنسانَ، كي ينعم بخيراتها ضمن ضوابط ومحددات، أهمها الحفاظ على التوازن البيئي، وقبِل الإنسانُ مركز «خلافة الله»، تلك الأمانةُ التي عرضها الله سبحانه وتعالى على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها، فالحفاظ على التوازن البيئي والكوني مهمةُ لن يمارسها إلا من له رجاحةُ في العقل، ويتصف بالحرص على استدامة الحياة والرفاهية والسعادة بين الأجيال المتعاقبة. كما ورد في الآية «72» من سورة الأحزاب: «إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسانٌ إنه كان ظلوماً جهولاً».
إلا أن الإنسانَ وبعد قَبوله حمل الأمانة، أشار إليه الله سبحانه بكونه “ظلوماً جهولاً”، لأن حملَ الأمانة يعني الحرص وعدم الاستجابة لكل المغريات التي تقدمها الأرضُ للإنسان، وتحوله إلى الإسراف والاستنزاف والتدمير وهي آفات عانى منها الإنسان وما يزال.
فلقد تحول الإنسانُ من حامل للقيم والسلوك الحميد المطلوب منه، كي يصون الأمانة، إلى وحش كاسر، لا يهمهُ المستقبل وحقوق الأجيال المقبلة في عطاء الموارد الطبيعية، ولكي يعود التوازن، لا بد من مراجعة النهج الحالي وتصويب المسار، وعندما ينعم الجميعُ بخيرات التوازن الكوني والبيئي وتعود الأمورُ إلى صحيحِ نصابِها ستكون النتيجةُ الطبيعيةُ أن تعمَ السعادةُ.
مشيرًا إلى أنه ما زال يذكر أيام الصبا ، حينما كان زرعُ نبتةً من بذور فول صغيرة على قطعةٍ من القطن الُمبلل لتنمو وتترعرع أمامنا، أو تربية مجموعة من دود القز نراقبها وهي تنسجُ شرنقتها بخيوط حريرية لتبدأ دورةُ حياةِ جديدة… أشياءُ صغيرةُ ربطتنا ببيئتنا٬ وعلى الرغم من بساطتها كانت مبعثًا حقيقيًّا للسعادة. والأهم أنها كانت تُعرفنا على أنواعِ الكائنات والنباتات من حولِنا وكيفيةِ التعاملِ معها، وعدم إيذائها والاعتناء بها بأكبر قدر ممكن، غير أن الدرسَ الأكبر أنها أكسبتنا يقينًا أن ما نزرعه الآن هو الضمان الحقيقي لوجودنِا، والسبب الذي سيجعل أولادنا يثمنون ما نفعله، فالأرض والبيئة ليست ملكاً لنا وحدنا، بل هي إرثُ يجب أن نورثهُ بأفضل صورةٍ لأبنائِنا وأحفادنِا من بعدنا.
موضحًا أن البشرُ يسعون جاهدين ليكونوا سعداء. ويعتقد كثيرون أن الرغبة في السعادة هي الدافع وراء معظم ما نقوم به، سواء كان ذلك من خلال الانخراط في أنشطة ممتعة، أو التواصل مع الآخرين، أو حتى السعي لتحقيق إنجاز ما.
والحقيقة ٬ فإن “الأشخاصَ الأكثر سعادة يشعرون بالامتنان لحياتهم ويريدون الاهتمام بما يثريها”: مقولةُ أكدتها كثير من الأبحاث والدراسات، كان من بينها سؤال طرحه موقع Greater good Science Center حيث تشير دراسة بحثية جديدة إلى أن الدول الأكثر سعادة تميل إلى الاستهلاك بطريقة أكثر استدامة بيئيًّا.
ووفقًا لهذه الدراسات٬ فالاستدامة تعني تلبية احتياجاتنا الحالية لحياة جيدة دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة، على أن التركيز على سعادتنا في الحاضر قد تكون له تكاليف بيئية في المستقبل. فلقد وجد الباحثون من خلال تحليل البيانات ٬ أن البلدانَ الأكثرُ سعادة تستهلك بشكل عام أكثر من البلدان الأقل سعادة.
وعلى الرغم من تلك الاستدلالات٬ تؤكد النتائجُ أن السعادةَ لا تضرُ بالاستدامة. بل على العكس، فالسعادة والاستدامة يسيران جنبًا إلى جنب، فعلى الرُغمِ من أنها تستهلك المزيد، فإن البلدان الأكثر سعادة كانت أيضًا أفضل في الوصول إلى أهداف الاستدامة.
معربًا عن طموحه في الوصول إلى عدد من التوصيات مع ختام المؤتمر تسهم في تحقيق السعادة الحقة للفرد والمجتمع بتفعيل دور البيئة في تعزيز ذلك الشعور.
وبدأ الدكتور عبد المسيح سمعان حديثه بالإشارة إلى شعار البيئة العالمي “لا للتلوث البلاستيكي”، الذي يعني أننا سنسير على طريق السعادة لو تم تنفيذه.
ففي ظل الحديث الممتد عن البيئة ومشكلاتها ينبغي ان نثق ان البيئة أحد مصادر السعادة، لا الكآبة.
مشيرًا إلى أن السعادة هي بالأساس حالة من الرضا والارتياح والانسجام الداخلي بين المشاعر، وكذلك فإن السلوكيات والصحة النفسية تزيد شعور الإنسان بالسعادة، مثلما تفعل العلاقات الاجتماعية والإنجازات الشخصية، ولا يغيب دور الثقافة في تحديد مفهوم السعادة، فبعض الثقافات تعد النجاح والتحقق هو كنبع الشعور بالسعادة، وأخرى ترى أن الظروف الاقتصادية هي جوهر السعادة، والصحة الجيدة.
مؤكدًا أن مفهوم السعادة يختلف من شخص إلى آخر، وليس هناك معيار واحد لتحقيق السعادة، والذي يتم بالتركيز على الجوانب الإيجابية.
وتشير الدراسات إلى اختلاف وتنوع مصادر الشعور بالسعادة، ولكن لا يختلف أحد على كون البيئة من أهم تلك المصادر.
وتحدث الدكتور محمد السديمي عن جغرافية السعادة، مشيرًا إلى الدور البارز الذي يلعبه الجغرافيون في رسم السعادة البيئية للبشر، موضحًا أن السعادة لها بعدان؛ بعد فطري لها علاقة بتمييز الله لبعض مناطق الأرض، والبعد الآخر هو دور الإنسان في الحفاظ على تلك البيئة.
وذكر السديمي أن عددًا من الكتاب والمؤرخين قد تناولوا عوامل التأثير في الإنسان، وعلى رأسها البيئة والدين والحكومة السياسية، والعامل الجغرافي له دور أساسي في تحقيق السعادة للإنسان.
مؤكدًا أن الديمقراطية مدخل من مداخل السعادة، ولكن الاهم منها التعاون للعمل على تحقيق السعادة، وضرورة دمجها في حركة التنمية، والنظر إلى تحليل المناخ والتربة وتصنيف السكان وتغيير مفهوم المركز والأطراف واستراتيجية التخطيط، بما يوفر للدولة ما يسمح بإعادة تصنيف أسباب السعادة.