كاتب ومقال

رحلة مع كتاب| هكذا كانت الوحدة

بقلم: دينا شحاتة

دينا شحاتة 

” كلنا لنا عالم ما مرتبطون به، عالمي يبدو أنه سقط دون جلبة حيث أنه عندما انتبهت لما حدث، لم أكن أستطيع أن أدعم أي شيء بعد”

تلك إحدى التأملات التي تعاقبت على رأس ” إيلينا” بطلة الرواية الرئيسية، التي نبدأ رحلتنا معها بخبر وفاة أمها الذي تتلقاه بلامبالاة واضحة منشغلة بساقها اليسرى التي لم تتمكن من نزع الشعر عنها عندما علمها بالخبر، الأمر الذي أودى في النهاية لقرارها بعدم حضور مراسم الدفن.

دعنا نتوقف قليلا عند هذا المشهد لقد استطاع خوان خوسية ميّاس أن يحلل ببراعة أفكار امرأة تري من ساقها اليسرى غير منزوعة الشعر انعكاسا هائلا عن عدم التماثل الذي يهدد حياتها، فهي تري أنها تمثل الفوضي لمن حولها من ابنة وزوج وأخوات، فوضى تنزع عنها احتمالية وصولها للكمال في أي شيء ولم تكن صورة ساقها غير انعكاس عملة لما يعتمل داخلها.

هي امرأة فقدت كل الروابط التي يمكن أن تصلها بالآخرين، ترى أنها خارج العالم في مكان الصراخ فيه لا يسمع والدموع فيه لا تلين أي شيء.

تبدأ انطلاقا من ذلك الشعور بالوحدة والذي يتخلل كورم في أمعائها في تعيين محقق لمتابعة زوجها وكتابة تقارير عنه، لا يثير اهتمامها ما كشفته التقارير عن خيانة زوجها ولكن يثيرها أن تري نفسها بعين مختلفة، فتحول وجهة المحقق- دون كشف هويتها- لتتبعها هي لكتابة تقارير أكثر ذاتية عنها.

إيلينا تعاني من أزمة وجود لا يراها من حولها أنها أزمة ذات أهمية ، تنقذها منها مذكرات أمها التي وجدتها عن طريق الصدفة وتري فيها أكثر الأشياء المادية تأكيدا لوجودها بما في ذلك ما تركته لها من مقعد جلد وساعة بندول لقياس وقتها الخاص كما تعتقد.

يأتي الجزء الثاني من الرواية ببدء إيلينا بكتابة يومياتها، ويبدو الجزء الثاني أكثر تماسكا من جزء الرواية الأول

نري أن خوان خوسية مياس ينظر في تلك الرواية عبر بطلته إيلينا وأمها في أن المدينة هي الجسد والجسد هو المدينة.

الجسد ضواحي وشوارع وأحياء خربة وبيوت مصدعة ولمبات غاز مكسورة وقشر برتقال في كل مكان .والمدينة جسد ممدد.

الوحدة هو ذلك الفشل في التواصل مع الآخرين بعد أن بدلتهم الحياة بطبائع مختلفة وعادات غريبة دون فقدان للذاكرة لتصبح وظيفة الذاكرة فيما بعد تغذية ضمير الفقدان والتأكيد على استحالة العادات الأولى.

وكما جاء في يوميات والدة البطلة ” من بين كل الفواكه المرة في الحياة، الموت بعيدا على أن يكون أسوأها، السيئ هو أن تعيش بعيدا عن نفسك ذاتها”

ذلك هو المعنى الأشمل الذي توضحه الرواية.

رواية ” هكذا كانت الوحدة” رواية لا يجب أن تقرأ على عجل، قرأتها مرتين وفي كل مرة توقفت عن سطور مختلفة وفهم أعمق ، فهذه الرواية من ضمن تلك الروايات التي لا تعطيك سحرها كاملا من المرة الأولى.

صدرت عن سلسلة الجوائز التابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب بترجمة ناريمان الشاملي في 177 صفحة.

وقد حاز كاتبها ” خوان خوسيه ميّاس ” وهو أحد أهم الكتاب الإسبان جائزة “نادال ” عام 1990 عن تلك الرواية.

 

نبذة عن الكاتبة

 دينا شحاتة

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

طبيبة بيطرية حاصلة على بكالوريوس طب بيطري دفعة ٢٠٠٩ وكاتبة روائية

صدر لها ثلاث أعمال روائية
رواية غفران ٢٠١٨
رواية ثلاثاء آخر ٢٠٢١
رواية رحيل وغربة ٢٠٢١

للتواصل :

[email protected]

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى