كاتب ومقال

دار في خاطري| الإنسان والتاريخ

بقلم: ريم السباعي

ريم السباعي

هل سألت نفسك يوما ما هو التاريخ؟! هل هو مجرد أحداث، وتواريخ، وأشخاص يصعب علينا إحصاؤها؟! هل هو مجرد مادة دراسية يدرسها الطلاب في المدارس؟! وهل فكرت يوما ما هي فائدة التاريخ؟! ولماذا شغل اهتمام القدماء والمحدثين؟! هل التاريخ نقطة جذب لهواة الثرثرة، وناقلي الأحاديث؟! هل الإنسان عنصرا فعالا في التاريخ؟! أم هو أداة في يده؟! هل التاريخ صانع الإنسان؟! أم أن الإنسان هو صانعه؟!

التاريخ هو السجل الزمني للأحداث التي أثرت على الشعوب، ويستدل عليها من المصادر والوثائق التي تركها القدامى لتكون شاهدا على تلك العصور، التاريخ هو الماضي، وفي يوم من الايام سيتحول الحاضر والمستقبل إلى تاريخ، ولكن متى يتحول حاضرنا إلى تاريخ؟! ومتى ينتهي التاريخ؟! إذا نظرنا إلى أحداث عامنا الحالي 2022 وهو الحاضر فبعد مضي ثلاثة عقود يصبح هذا العام هو أخر عام في التاريخ، إذن فالتاريخ ينتهي قبل ثلاثين عاما من الآن أي عام 1992، وفي العام القادم تكون نهايته عام 1993، وهكذا.

هل التاريخ هو تلك الأحداث السياسية، والأحوال الاجتماعية، والاقتصادية، والدينية لدى الشعوب وحسب؟ لا! فلكل شيء في هذا الكون تاريخ، ولكل إنسان تاريخ، وبالإضافة إلى أنه علم قائم بذاته فجميع العلوم التطبيقية، والإنسانية لها تاريخ أي ماضي بدأت من عنده، ومن لا ماضي له فلا حاضر له ولا مستقبل.

إذن لابد لكل إنسان أن يعلم التاريخ جيدا وذلك ليس مجرد تخزين لتواريخ وأرقام، شخصيات وأسماء، قصص وحكايات كما يحدث عند تدريس مادة التاريخ في المدارس، فيتحول التاريخ إلى ألغاز وأحجيات، فعندما يسأل الطالب عن تاريخ الفتح الإسلامي لمصر مثلا تجده مخير بين تلك الأرقام ٦٤١م، ٦١٤م، ٤٦١م، ٤١٦م وكأن لابد للطالب أن يحفظ التاريخ عن ظهر قلب حتى لا يقع ضحية اللغز الذي يبعثر الأرقام، فيصب جام تركيزه في هذه الأمور تاركا الهدف الحقيقي لدراية التاريخ، فيتحول إلى علم سخيف بحاجة إلى ذاكرة لا تعرف النسيان.

إن التاريخ ليس كذلك، فهو علم يدرس كسائر العلوم، يؤخذ منه العبرة والعظة، نتعلم من أخطاء من كانوا قبلنا حتى لا نقع فيها ثانية، ننهل من علوم السابقين ونطورها، فالتاريخ ليس مجرد سرد يحفظ، بل هو علم يحث على إعمال العقل، والتفكير بفطنة وذكاء حتى نصل إلى الفائدة المرجوة.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤالا وهو هل التاريخ يعيد نفسه؟! للاسف إن تلك العبارة الشائعة “التاريخ يعيد نفسه” هي عبارة خاطئة، لأن عناصر التاريخ هي المكان، والزمان، والأحداث، والإنسان، ولكي يعيد التاريخ نفسه لابد أن تتكرر الأحداث في نفس المكان والزمان، ومع نفس الأشخاص، إذن فالتاريخ لا يعيد نفسه، بل تتشابه الأحداث، وربما في نفس المكان، ومن الممكن أن تكون مع نفس الأشخاص، ولكن يبقى العنصر الوحيد الذي من المستحيل أن يتوفر ليحول دون إعادة التاريخ لنفسه وهو الزمن.

ولكن لماذا تتشابه الأحداث وتتكرر المواقف على مر العصور؟! إن السبب في ذلك يعود إلى إهمال التاريخ، إن الإنسان الواعي يدرك جيدا عواقب الأمور، يتعلم من أخطائه وأخطاء الأخرين، وصدق رسولنا الكريم حيث قال: “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين” والمؤمن كيس فطن.

إذن فالإنسان هو المسئول عن سير الأحداث فهو لا الزمان ولا المكان وان كان لهما دور كبير فيها، ولكن الإنسان هو من يحرك دفتها، إذن فالإنسان هو صانع التاريخ، أما التاريخ فهو دائما يفتح أبوابه أمام الجميع دونما أي تفريق، فهو المسئول عن تخليد ذكر الإنسان ممن أشرقت له شمسه، وممن خضب وجهه بالدماء، فالتاريخ هو صاحب الذاكرة التي لا تنسى على مر الأزمان.

اقرأ أيضًا: دار في خاطري| ما بين الحرية والطاعة

نبذة عن الكاتبة:

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى