كاتب ومقال

دار في خاطري| الرحمة المهداة

لما بدا في الأفق نورُ مُحَمَّدٍ كالبدر في الإشراق عند كماله
نشر السلام على البرية كلها وأعاد فيها الأمن بعد زواله واخْضَرَّ وجهُ الأرض ليلة وَضْعِهِ وانهَلَّ كلُ الغيث باستهلالهِ نشَرَ السلام على البَرِيَةِ كلها وأعاد فيها الأمن بعد زواله.

على صوت الشيخ النقشبندي الذي صدح بهذه الكلمات استيقظت منار ذات السبع ربيعا، وأيقظت شقيقها يوسف الذي يصغرها بعامين وقالت له بسعادة عارمة وهي تهز كتفه: هيا يوسف هيا استيقظ، لقد قال أبي في الصباح، ولقد أقبل الصباح، وعلى الفور استيقظ يوسف وغادر فراشه واتجه بصحبة منار نحو المنضدة التي بجوار باب البيت حيث وضع أبوهما تلك العلبة الكبيرة التي أحضرها بالأمس.

حملا العلبة واتجها نحو والديهما اللذان جلسا قرب النافذة يتلوان القرآن الكريم بعد أداء صلاة الفجر، فألقيا عليهما تحية الصباح، ثم قال يوسف: هيا أريد فتح هذه العلبة لأرى ما بداخلها، فقالت منار: أنا أعلم ما بداخلها إنها حلوى المولد، فقال الأب: أجل! إن اليوم هو الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وفيه نحتفل بذكرى ميلاد نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قالت الأم: هيا فليخبرنا كل منكما عن شيء يعرفه عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقال يوسف: سيدنا محمد ولد يتيما، أباه عبد الله بن عبد المطلب، أمه آمنة بنت وهب، توفيت عندما كان صغيرا، ورباه جده أبو طالب، ومرضعته هي حليمة السعدية وقالت منار: سيدنا محمد هو النبي الذي أنزل عليه القرآن، كان جبريل عليه السلام يأتيه بالوحي من الله عز وجل، وقال يوسف: وفي ذكرى مولده نأكل الحلوى اللذيذة.

ضحك الأب والأم عند سماعهما عبارة يوسف الأخيرة، وعندئذ أرادا تعليم طفليهما أن الاحتفال بميلاد الرسول ليس بالحلوى وحسب، فقال الأب: تخيلا أن الكون كله أصبح مظلما لا ضوء فيه، وصرنا نتعثر هنا وهناك، ولم نعد نعرف الصالح من الطالح، ثم ظهر في الأفق سراج منير، فانفرجت أساريرهما من بعد ضيق أتى إثر تلك الصورة المعتمة، وقالا: سنرى كل جميل، ونبتعد عن كل قبيح، فقال الأب: أهكذا كان الحال قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لقد عم الظلم والظلام، وساءت أحوال الناس، فجاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يهدي الناس إلى الإسلام، وعبادة الله الواحد الأحد وترك عبادة الأصنام، لتكون تلك هي البداية في طريق الإصلاح.

لقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو السراج المنير كما وصفه الله عز وجل في القرآن الكريم، فقد أضاء الكون بنور الإسلام، وأرسى أسسه وقواعده التي إن اتبعها البشر لعاشوا في سلام دائم، وقضى على العادات السيئة كوأد البنات، وشرب الخمر، والميسر، ولم يكن ذلك بالقوة أو بحد السيف، بل باللين والرحمة، فقد أرسله الله رحمة للعالمين، ومن أوجه هذه الرحمة أنه شفيعا لأمته يوم القيامة، وأن الله عز وجل قد وعد أمته بأنهم لن يعذبوا كباقي الأمم مادام الرسول بينهم ، ولكن ماذا بعد وفاته؟ فنظرا إليه طفليه ينتظران الإجابة، فعاد بعد صمت وقال: إنه الاستغفار، فلن يعذبنا الله مادمنا نستغفره، فهذه من رحمته بأمة نبيه وحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إنه الرحمة المهداة.

وعندئذ قالت الأم: إذن لابد أن نتبع سنته، ونذكر دائما ما علمنا إياه، ثم نظرت إلى يوسف وقالت: عندما تستيقظ في الصباح لتذهب إلى المدرسة تذكر قول نبينا الكريم أن من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، ثم نظرت إلى منار وقالت: وعندما نلتقي بأصدقائنا أو جيراننا نلقي عليهم التحية ونحن نبتسم ونتذكر قول رسول الله عليه الصلاة والسلام أن ابتسامتك في وجه أخيك صدقة، ثم نظرت إلى الأب وقالت: عندما نذهب إلى العمل نتذكر قول نبينا بأن العمل عبادة، وهنا علت ضحكات الجميع، فقال الأب: والآن ماذا نفعل لنحتفل بميلاد النبي؟ هل هناك أفضل من أن نبلغه منا السلام؟ هيا فلنقل جميعا ” اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم”
ومضوا يرددون ذلك كثيرا، ومن ثم فتح يوسف علبة الحلوى، وراحت منار توزع القطع عليهم، وصدح صوت الشيخ النقشبندي مجددا:

أخلاقه غزت القلوب بلطفها قبل اسْتِلال ِسيوفه ونباله
مافي البرية َقط ُّمثل محمد في حُسْن ِسيرته وسَمْح ِخصاله يا أمة الهادي أقيموا شرعه وتمسكوا بحرامه وحلاله.

بقلم:
ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى