كاتب ومقال

إبداعات كلمتنا| “الفستان”

ساعة على الأكثر ويبدأ الحفل، الصياح في كل مكان، حناجر المديرين سياط تُلهب ظهور العاملين،وطاقم النظافة يعمل بلا توقف لحظة واحدة، المشرف العام أكد أكثر من عشر مرات أن ضيوف الحفل من الفئة الأرستقراطية المتحفزة دائمًا للهجوم والنقد إذا شعروا بأي ملمح فوضى أو غياب ولو طفيف للنظافة..

الكل في حالة توتر واضحة، ثناء أكثرهم شعورًا بالتوتر والقلق، يومها الأول بالعمل ومن سوء حظها يوافق ذلك موعد الحفل الأكثر أهمية وحساسية، بذلت نجلاء صديقتها المقربة مجهودًا كبيرًا لإيجاد تلك الوظيفة لها بعد عدة محاولات فاشلة للحصول على وظيفة خالية من أدوات النظافة وتلميع الأثاث..

الحاصلات على الدبلوم لهن حظوظ في غاية التباين، إما أن تجد وظيفة براقة كأنها حاصلة على شهادة جامعية، أو أن ينتهي بها المطاف كعاملة بسيطة في مكان ما من تلك الأماكن المؤمنة بأن للمرأة العاملة فوائد عديدة غير القيام بمهام وظيفتها..

السيدة نيهال تأتي دائمًا قبل الجميع، لها جناح مخصص على الدوام بالفندق، زوجها مدير الفندق ويخاف منها أكثر من خوفه من ملاك الفندق ومأمور الضرائب ومفتش وزارة السياحة، وحتى أكثر من النزلاء أصحاب الياقات البيضاء والأسماء الوهمية، نيهال بصحبتها فتاتان طوال الوقت للمساعدة، لا يفعلن أشياء ذات أهمية، لكنها لا تتخلى عن وجودهن حولها، يكفي أنهن متاحات طوال الوقت لتلقي سبابها وإعصار غضبها مهما كانت تفاهة الأسباب..

تقف وسطهن متأففة وهن يساعدنها في ارتداء فستان الحفل، فستان جديد أبيض لامع من أرقى بيوت الأزياء، صمم خصيصًا لجعل من ترتديه تُعلن عن أنوثتها، نيهال فقط لا تفعل ذلك، وكيف يمكنها ذلك وهي نحيفة بشدة ووضوح ولولا إحكام سيطرتها على زوجها بأشياء أخرى، لحصلت على لقب مُطلقة من عدة سنوات..

ثناء تعبر غرفة نيهال وهي لا تعرف سبب استدعائها، فقط وقفت جامدة صامتة تتفحص نيهال ومساعديها باستغراب كبير، زوجة صاحب الفندق مقتضبة الملامح وكأنها منتهية منذ لحظات من شجار امتد لساعات، نيهال تلف جزعها لتفحص فستانها من الخلف، الفستان يضرب كوب عصير الفراولة ويقع على آخر جزء فيه من الأسفل..

كوب العصير كان أسرع من مساعديها ومن ثناء ولوث فستانها من الأسفل ببقعة حمراء، صاحت فيهم جميعًا بغضب وعنف، لو أن لكوب العصير أذنين، لنال حظه من غضبها وعنفها وقبح ألفاظها، الموقف معقد ولا بديل عن ارتداء فستان آخر، لا شيء يفسد مزاجها أكثر من أن ترتدي فستانًا ارتدي من قبل..

لكن لا حل غير استبدال الفستان بآخر أسود اللون يتفوق على الأول في العري والقصر، والفشل في أن يمنحها أنوثة مفقودة من الأصل، صرخة منها جعلت ثناء تهرول تحمل الفستان المزين ببقعة الفراولة وتهرع مفزوعة مبتعدة عن جناح السيدة الغاضبة..

تنفست الصعداء وهي تغادر هذا المكان وتبتعد عن نظرات نيهال الحادة الغاضبة، الشهوة الأنثوية الكامنة بداخل كل فاقدة للرفاهية ومظاهر الترف، تتمكن من ثناء وتجعلها تخلع ملابسها في حمام العمال وترتدي فستان بقعة الفراولة، ضوء لمبة الحمام ينعكس على لمعة الفستان ويجعله يبدو أكثر بهجة على جسدها..

أنوثة ثناء جعلت تصميم الفستان يظهر ويتضح أضعاف ما تمنى وقصد مصممه، حتى أن بقعة الفراولة أصبحت مجرد عبث لن يلتفت إليه أحد حتى وإن ظل يحدق فيها، بدون مساحيق تجميل أو تسريحة شعر مميزة،وفقط الفستان الأبيض وأنوثة ثناء وبقعة الفراولة..

قررت الخروج ومناداة نجلاء لتريها فستان السيدة الغاضبة عليها، الممر قصير والصدفة لا تحتاج لطول الوقت ولا الحجج والمبررات، بعد ثلاث خطوات تجد نفسها وجهًا لوجه أمام مدير الفندق زوج السيدة الغاضبة..

تجمدت مكانها وجبينها متعرق من الفزع والخوف، صدرها يعلو ويهبط من توقع حدوث المصيبة وطردها في أول أيام عملها، تنهج بقوة وكأنها انتهت فورًا من العدو لعشر ساعات متتالية دون توقف، المدير يرفع حاجبيه بدهشة وصدمة، لم يكن يعلم قبل تلك اللحظة أن الفستان الذي دفع فيه رقمًا كبيرًا من العملة الخضراء اللون، له هذا التصميم الساحر الخلاب..

لا يعرف ثناء ولا يعرف من تكون، لكنه يقينًا يعرف الفستان، لحظات مرت أطول من ساعات من الترقب والتحديق، حتى استرد الرجل وعيه وعاد لأرض الواقع بعد أن شرد عقله في زوجته الغاضبة الدائمة العصبية وفي فستانها الذي تأكد لحظتها أنه لم يصمم من أجلها، اقترب منها وأمسك يدها وجعلها تدور حول نفسها وهي من فرط فزعها تطيعه بأعين زائغة وضربات قلب متلاحقة سهل سماعها، لم يسألها من تكون، فقط ابتسم وهو يدرك أن الفستان لم يُصنع إلا لها.

بقلم
أحمد عبد العزيز صالح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى