هل حقًا دفع يوسف شاهين حياته ثمن عشقه للسينما؟
السينما عالم هائل مليء بالفنون المختلفة التي تأخذك في رحلة ممتعة مدتها لا تتجاوز الساعات الثلاث، تلك الرحلة التي يكون مسؤولًا عن إخراجها شخص عبقري يقف خلف الكاميرا أو ما يسمى في عالم السينما بـ “المخرج”، ومن أشهر المخرجين الذين خلدت السينما أسماءهم “يوسف شاهين” المخرج المصري العالمي الذي ترك إرثًا فنيًا خاصًا به وصنع تاريخًا سينمائيًا جعله مخرجًا غير تقليدي.
فلقد تميزت الأعمال السينمائية للمخرج يوسف شاهين على مدى عدة عقود بالعديد من الأشياء التي جعلتها تبقى جزءًا مهمًا من ذاكرة السينما المصرية يتعلم منه الكثير حتى الآن، كما أنها تضمنت عدة قضايا مختلفة وموضوعات شائكة وموسيقى مختلفة، ليس ذلك فقط بل إن تلك الأفلام كانت سببًا من أسباب اكتشاف العديد من النجوم.
أزمات صحية في حياة يوسف شاهين:
في الـ 27 من يوليو عام 2008 وبعد صراع طويل مع المرض لفظ المخرج العبقري يوسف شاهين آخر أنفاسه في ذلك اليوم على سريره بالعناية المركزة بأحد مستشفيات القاهرة، نتيجة لنزيف بالدماغ، تسبب لدخوله في غيبوبة بأحد مستشفيات باريس.
ورغم جهود الأطباء لوقف النزيف، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل؛ فعاد إلى القاهرة ليوضع في الرعاية المركزة، يرافقه تقارير عديدة تؤكد أنه من الصعب أن يفيق من غيبوبته، وأن الموت الإكلينيكي صار رفيقه منذ لحظتها.
لم تكن هذه أول أزمة صحية يمر بها شاهين، فقد سبقتها الكثير من الأزمات التي تحتاج للراحة، ولكن عشقه للسينما والإخراج جعله يتجاهل تلك الأزمات الصحية.
ومن الحب ما قتل، فهل تصدق المقولة على يوسف شاهين؟، وهل كانت الفاتورة الأغلى هي حياته؟، أسئلة كثيرة ترصد أجوبتها منصة “كلمتنا” لتتعرف أكثر في ذكرى وفاته عن عشق يوسف شاهين للسينما الذي جعله يدفع حياته ثمنًا لها.
لم تكن الأزمة الصحية التي تسببت في وفاة يوسف شاهين هي الأولى من نوعها في تاريخه السينمائي، بل إنه تعرض لعدة أزمات صحية كان بدايتها في أواخر عام 2000 عندما بدأ يشعر بضيق شديد في شريان الفخذ الأيسر، ذلك الأمر الذي استدعى أن يتم علاجه من خلال توسيع ذلك الشريان، كما تم تركيب دعامة للشريان.
“سكوت حنصور” ذلك الفيلم الذي تسبب في مروره بالعديد من الأزمات الصحية التي تغاضى عنها حتى وصل الأمر إلى إمضاءه 45 يومًا تحت العلاج في المستشفى بباريس، وبدأ ذلك الأمر عندما كان يصور الفيلم ليتعرض فجأة إلى أزمة قلبية وينقل سريعًا إلى المستشفى ويوصيه الأطباء براحة شديدة وعدم العمل لأنه إذا عمل لمدة 15 دقيقة فسيموت على الفور، ولكنه لم يلتفت لتلك التوصيات وبدأ العمل في الفيلم مرة أخرى حتى واجه وقتها عدة أزمات صحية جعلته يتنقل من العمل إلى المستشفى العديد من المرات بسبب عشقه للسينما والإخراج.
أما عام 2003 لم يسلم يوسف شاهين من تلك الأزمات الصحية التي كانت تتسبب في دخوله إلى العناية المركزة لمدة يومين بالمستشفى، لتتحسن صحته بعد ذلك ويعود سريعًا إلى العمل غير عابيء بأثر ذلك الأمر على حالته الصحية.
لم يختلف الأمر كثيرًا عام 2004 عندما فوجيء شاهين بتدهور كبير في حالته الصحية وأيضًا ارتفاع في ضغط الدم، ذلك الأمر الذي جعله يدخل في غيبوبة وتصبح حالته حرجة، ويتم تشخيص حالته بأنه يعاني من وجود ماء على الرئة وتأثير ذلك على وصول الدم إلى شرايين المخ، ولكن يشاء القدر أن تتحسن صحته، ويستمر شاهين في العمل غير مهتمًا بصحته، حتى مر بأزمته الصحية الأخيرة التي توفى على أثرها.
اقرأ أيضًا: “خيري بشارة” .. مخرج الواقعية الشاعرية في السينما المصرية
يوسف شاهين عبقري الإخراج السينمائي:
يعد من أفضل مخرجي القرن العشرين هو يوسف جبريل شاهين المخرج المصري الذي له أصول لبنانية، وترعرع في عروس البحر المتوسطة الإسكندرية، وكانت أسرته متوسطة الحال، ولقد كافحت عائلته من أجل أن يتم تعليمه في أفضل المدارس والجامعات، وبالفعل التحق بكلية فيكتوريا الخاصة، ليسافر بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليلتحق بمعهد باسادينا المسرحي من أجل دراسة السينما وفنون المسرح لمدة عامين.
وبعد عودته إلى مصر قام شاهين بإخراج أول فيلم له عام 1950 بعنوان “بابا أمين” والذي كان فيلمًا استعراضيًا غنائيًا، وبعدها بعام أخرج فيلم “ابن النيل” الذي شارك به في مهرجان كان السينمائي، ثم بعد ذلك اشتهر يوسف شاهين أكثر برباعياته السينمائية التي تناول فيها سيرته الذاتية وتضمنت أفلام “إسكندرية… ليه!”، و”حدوتة مصرية”، و”إسكندرية كمان وكمان” و”إسكندرية نيويورك”.
وركز شاهين في أفلامه على استخدام الغناء والموسيقى كعنصرين أساسيين في أفلامه، وبالفعل تعاون مع العديد من المطربين في أفلامه أبرزهم فيروز، فريد الأطرش، شادية، والأخوان الرحباني.
ولم يكتفِ شاهين بالإخراج فقط بل أنه مثل في الكثير من الأفلام السينمائية التي قام بإخراجها ولعل أبرز تلك الأفلم فيلم “باب الحديد” الذي حقق نجاحًا باهرًا وترك صدى واسع من قبل النقاد الذين صنفوا الفيلم في المراتب الخمسة الأولى ضمن أنجح 100 فيلم في السينما المصرية.
وخلال 60 عامًا استطاع يوسف شاهين في مشواره الفني تأسيس مدرسة سينمائية مهمة من خلالها تتلمذ على يديه العديد من المخرجين الذين لهم بصمتهم في السينما المصرية منهم: “روان الكاشف، خالد يوسف، يسري نصر الدين، علي بدرخان، عماد البهات، مجدي أحمد علي، وخالد الحجر”.
ليس ذلك فقط بل إنه قدم العديد من الوجوه الفنية المهمة في السينما المصرية أبرزهم الفنان العالمي عمر الشريف، والفنان محمود المليجي، وفاتن حمامة، ويسرا، وأحمد زكي، ونور الشريف، ومحسن محي الدين.
جوائز وتكريمات:
استطاع يوسف شاهين خلال مشوراه الفني المهم الحصول على العديد من الجوائز والأوسمة العربية والعالمية وأهمها:
- جائزة الدب الفضي.
- التانيت الذهبي من مهرجان قرطاج عام 1970.
- الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في برلين عن فيلم “إسكندرية ليه” عام 1979.
- جائزة الدولة التقديرية عام 1994.
- جائزة مهرجان كان عن مجمل أعماله عام 1997.
- الدكتوراة الفخرية من إحدى جامعات باريس عام 1997.
- التكريم من ضمن ثلاثة مبدعين من صناع السينما العالميين في مهرجان فينسيا، والحصول على وسام المهرجان.
- أرفع وسام شرف منحه له الرئيس الفرنسي شيراك عام 2006، تقديرًا لموهبته السينمائية وتأثيره العالمي ومساهمته في التقارب العربي الفرنسي.
كما حصل يوسف شاهين على أكثر من 12 وسامًا من مختلف الدول العربية والأوروبية، وذلك بفضل مشواره الفني الطويل الذاخر بالعديد من الأعمال السينمائية التي خلدت اسمه في تاريخ السينما المصرية والعربية.
اقرأ أيضًا: “أسامة أنور عكاشة” .. تاريخ في كلاسيكيات الدراما التليفزيونية