كاتب ومقال

ومضة| بدون شهادة وفاة

بقلم: أحمد سليمان

أحمد سليمان

“لعنة أعيش فيها منذ خمس سنوات” هكذا كانت جهاد ترى التضحية التي فرضها عليها زوجها عصام منذ أن أنقذها من سيارة مسرعة كادت تصدمها وتلقى الصدمة مكانها بعد شهر واحد من زواجهما ليسفر الحادث عن إصابة الزوج بعجز وشلل كامل يتطلب خدمته في الفراش دوماً دون أن يقدر على التحرك.

لم تتحسن حالة عصام منذ خمس سنوات عاشت خلالها جهاد ممرضة وخادمة لزوجها المريض الذي لم تعد الزوجة الشابة قادرة على تحمل الحياة معه وفي الوقت ذاته لا تستطيع أن تتكلم أو تعترض على الوضع لكن الزوج المريض دائماً ما كان يرى في عينيها نظرة عدم رضا تقتله.

رأت جهاد أن عصام حين ضحى من أجلها سلبها حياتها عندما كان ينقذ حياتها، وكثيراً ما تمنت أن تكون قد لقيت ربها في ذلك اليوم المشئوم الذي فقدت فيه حريتها إلى الأبد، وربما فكرت فعلاً في أن تنهي حياتها بيديها بعد أن أصبحت الدنيا بلا أي معنى في عينيها، دون أي لون سوى اللون الأسود.

كثيراً ما كانت تلوم جهاد في قرارة نفسها زوجها على تضحيته، ربما حدثت نفسها كثيراً أنه لم يخيرها حين قدم لها هذا التضحية، إن كثيراً من التضحيات في حياتنا تفرض علينا فرضاً فلا نستطيع منها الفكاك وإلا أصبحنا ملعونين ومنعوتين بأنانيتنا وعدم تقديرنا لتضحية من ضحوا من أجلنا، ربما أضاع أب حياته في غربة وسفر ليوفر لأولاده الراحة المادية ولكن حين عاد لوطنه شعر أن مردود تضحيته لا يساوي سنين الغربة، ربما ضحت أم بكل شئ وظل أولادها يحملون ذنب عدم رد الجميل.

على الجانب الآخر مع مرور الوقت شعر عصام بأنه أصبح حملاً ثقيلاً على زوجته، وأحس من زوجته نكران الجميل فهو الذي ضحى بحياته من أجلها وهي الآن سليمة معافاة يرى في عينيها رفض الوضع الحالي.

كان كثيراً ما يسمع زوجته تقول: ياريتني موتت يومها ومكانش حصلك حاجة، في البداية شعر بأن هذه الجملة تقولها جهاد رداً لجميله لكنه مع مرور الوقت وتغير نبرة صوت الزوجة شعر بأنها تقولها لوماً له، لوماً على قرار التضحية من أجلها الذي اتخذه دون تفكير.
كان الوضع بين الزوجين يوشك على الانفجار حتى جاء يوم المصارحة، بعد أن تأففت جهاد أثناء قيامها بمساعدة زوجها على دخول دورة المياه.

عصام: إنت زهقتِ خلاص من خدمتي؟
جهاد: أنا عمري ما اشتكيت وعمري ما نسيت اللي حصل.
عصام: بس إنتِ مش مقدرة اللي عملته عشانك.
جهاد: إنت هتحاسبني على إحساسي، أنا اللي عليا باعمله.
عصام: لو مكنتش أنقذتك كان زمانك ميتة أو على الأقل مكاني.
جهاد: أنا زهقت وتعبت ياريتني كنت مت يومها، أنا حياتي وقفت، من خمس سنين وأنا عايشة في سجن.
عصام: امشي يا جهاد وروحي عيشي حياتك وسيبيني أموت أو أعيش مش مهم.

ساد الصمت المكان بعد انفجار الموقف بين الزوجين، ربما سمعت جهاد ما كانت تنتظر أن تسمعه لكنها لا يمكن أن تنسى كلمات اللوم من عصام إلا أنها صبّرت نفسها بأنها لم تختر أن يضحي زوجها من أجلها كما أنها حدثت ذاتها بأنها خدمته خمس سنوات وقد حان الوقت أن تتحرر وتعيش ما تبقى من حياتها بشكل طبيعي دون أن تكون خادمة أو ممرضة.

ذهبت جهاد لتجمع ملابسها وأغراضها من المنزل لتغادره إلى الأبد منتظرة إكمال إجراءات الانفصال بينما استأجر عصام خادماً يقوم على مساعدته في شؤون حياته.

ورغم انفصال جهاد عن عصام وتركها للمنزل إلا أن لعنة التضحية لم تتركها أبداً، ولم تتحرر من السجن الذي وُضعت فيه، فقد طاردها شعور بالذنب لم تستطع الأيام أن تمحوه، وطرقت أبواب الأطباء النفسيين دون جدوى فقد صارت حياتها بعد انفصالها عن زوجها سلسلة من الشعور بالذنب وتناول أدوية الاكتئاب وزيارة عيادات الطب النفسي ولم تجد شفاءً من تلك التضحية، تضحية فُرضت عليها فرضاً فسلبت حياتها رغم أنها كانت لأجل الحفاظ على حياتها، وكأنها ماتت يوم أن أنقذها عصام ولكن بدون شهادة وفاة.

 

نبذة عن الكاتب

أحمد سليمان

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

محرر صحفي تخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة

صدرت له 4 كتب
منهم ديوانا شعر باللغة العربية “بلاء عينيك أطلال”
مجموعتين قصصيتين “مواسم الموت وعيادة فقدان الذاكرة”

للتواصل :

[email protected]

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى