كلمتها

“سي السيد وأمينة”.. القصة الحقيقية لشخصيات ثلاثية نجيب محفوظ

“الثورة وأعمالها فضائل لا شك فيها مادامت بعيدة عن بيته.. فإذا طرقت بابه، وإذا هددت أمنه وسلامته وحياة أبنائه، تغير طعمها ولونها ومغزاها” تلك هي إحدى العبارات المقتبسة عن رواية “بين القصرين” للأديب العالمي نجيب محفوظ.

التي صدرت ولأول مرة منذ 60 عامًا، كان إنتاج محفوظ ل “الثلاثية” هو الحدث التاريخي العظيم في سيرته الذاتية، حتى يومنا هذا، حيث صدرت الرواية لأول مرة عام 1956، وفوجئ حينها نجيب محفوظ بالاهتمام الكبير الذي حازت عليه الثلاثية من قِبل الأدباء والمفكرين آنذاك.

 حتى أن لويس عوض كتب في حق نجيب مقال تحت عنوان “نجيب محفوظ.. أين كنت؟” وعلق طه حسين على الثلاثية قائلاً: “أتاح للقصة أن تبلغ من الإتقان والروعة، ومن العمق والدقة، ومن التأثير الذي يشبه السحر، ما لم يصل إليه كاتب مصري قبله”

ولا أحد يعرف أن الثلاثية كانت لتحمل اسم “ثلاثية القاهرة” في البداية، وبسؤال نجيب محفوظ عن شخصية “سي السيد” المتمثلة في أحمد عبد الجواد، إن كان نجيب يعرف هذه الشخصية في الحقيقة أم لا؟

في السطور التالية نعرفك على القصة الحقيقية لسي السيد وأمينة، النموذج الذي أحدث ضجة واسعة ولا زال يضرب به المثل حتى يومنا هذا.

أجاب وقتها نجيب، أنه ما من شخصية تحدث عنها إلا وكانت مقتبسة من الشخصيات الحقيقية التي يقابلها في الواقع، لكن ما من شخصية تم عرضها في السينما وتعرضت لانتقادات مثل التي تعرض لها “سي السيد” أحمد عبد الجواد، الأب القاسي والزوج الديكتاتور في البيت.

وفي الخارج هو الرجل سليط اللسان، الذي يخرج أفظع النكات وأكثرها بذاءةً ليلفت نظر السيدات، ويستمتع معهن ليالٍ، وفي المنزل هو الأب الصارم الوعظ، صاحب الأخلاق الحميدة، والملتزم الذي صنع من المنزل سجنًا لزوجته وبناته ومنعهن من الخروج، حتى مجرد النظر من النوافذ، كان محرمًا في قاموس سي السيد.

وفي المقابل هو نفسه العربيد صاحب المغامرات الغرامية التي لا تفرق بين غانية لعوب وبين أرملة الجار، فمن هو “سي السيد” الحقيقي؟

هو أحمد عبد الجواد، من مواليد 1905 في درب الأتراك، الذي تغير اسمه فيما بعد إلى شارع الشيخ محمد عبده، خلف الجامع الأزهر بالقاهرة، كان يعمل بالعطارة، ووالده تزوج من 9 نساء، له منهم ثلاث أخوات بنات، وبدأ في العمل مع والده في مجال العطارة وهو يبلغ 12 عامًا.

ومع الوقت أصبح من أكبر تجار العطارة، والمحل لا زال قائم حتى يومنا هذا منذ 160 عامًا، ويحمل اسم “البركة” ويقع في شارع جوهر القائد بحي الحسين بنفس مكانه، المحل الذي أتلف بضاعته الهوى، توفي صاحب شخصية “سي السيد” عام 1955، أي قبل طرح الرواية بسنة.

وفي حديث سابق مع ابنه محمد، أكد على أن شخصية الأب القاسي الصارم، التي جسدها نجيب محفوظ في روايته، هي بالفعل نفسها شخصية والده في الحقيقة، وفعلاً كان من الصعب عليه وعلى أخوته البنات التحدث إليه مباشرة في أي موضوع وكانت المهمة موكلة إلى والدتهم السيدة أمينة.

كان يفضل السيد أحمد عبد الجواد، الجلوس في المقاهي، مع صفوة الكتاب منهم نجيب محفوظ ويحيى حقي وغيرهم، ومن تعرف عليهم، وتم اقتباس الشخصية في الرواية بعد ذلك التعارف ونشأت الصداقة فيما بينهم.

عاشت السيدة أمينة، زوجته في الحقيقة ثلاثين عامًا بعد وفاة زوجها، حتى توفت عام 1985، وهي الشخصية الأصلية المجسدة في الرواية بحق، ربة المنزل، السيدة المغلوب على أمرها، التي تسعى دائمًا للحفاظ على بيتها وصون زوجها المتغطرس، وتربية أولادها.

قصر “سي السيد” الحقيقي: 

كان يسكن السيد أحمد عبد الجواد، أمام مسجد الحسين، ويتكون منزله بالفعل من ثلاث طوابق، تم هدمه عام 1975 أثناء عمليات التوسعة التي شهدتها منطقة الحسين، وهو مكون من طابق للمشربيات و الطابق الآخر الفناء والدهيلز، وبئر المياه العميقة، والطابق الثالث غرف النوم والصالة.

وفي الواقع أن المنزل الذي شهد تصوير الرواية في الحقيقة هو قصر الأمير بشتاك، ويمثل نموذجًا فريدًا للعمارة في العصر المملوكي، ويقع في شارع المعز بالقاهرة الفاطمية، بمنطقة النحاسيب بجوار سبيل الأمير عبدالرحمن كتخدا.

وفي حديث سابق مع نجل السيد أحمد عبد الجواد، أكد على أنه كان غير مسموح لهم بالجلوس مع والدهم على طبلية واحدة، ليبدأ والدهم في تناول الطعام ومن ثم يجلس الأبناء الأولاد منهم، ويليهم في النهاية الأم “السيدة أمينة” وبناتها.

وتقول رواية أخرى أن نجيب محفوظ استوحى شخصية سي السيد، من شخصيات متعددة لرجال قابلهم في حياته من بينهم عمه، الذي كان رجلاً متعدد العلاقات النسائية، ورجل جارهم يدعى “عم بشير” كانت زوجته دائمة الشكوى لوالدة نجيب من سوء معاملته وقساوته معها، إلا أن رواية أحمد عبد جواد والست أمينة هي الأجدر والأصح.

اقرأ أيضًا: فنانات حياتهن عكس ما تشاهده أمام الشاشة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى