حوارات

أشرف العشماوي: صالة أورفانيللي هي قضية حياتية ولا أحمل ضغينة تجاه أحد في الوسط الأدبي

وفاء حسن:

طلب منه أنيس منصور، بعد أن قرأ مسودة إحدى رواياته، أن يستقيل من القضاء، ويتفرغ للكتابة من شدة إعجابه بها، ووصفه الكثير من كبار الأدباء والنقاد في مصر والوطن العربي بأنه مبدع وصاحب حس خيالي عال، ولديه قدرة على وصف الأحداث بصورة دقيقة وممتعة في كتابة رواياته.. سطع اسمه في عالم الرواية بعد أن جمع بين عمله في القضاء، وشغفه بالكتابة، ليصدر له 9 روايات، ترجمت بعضها إلى لغات أخرى، كان آخرها رواية “تويا” التي وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، البوكر لعام 2013، فيما حصلت روايته “البارمان” في يناير عام 2014 على جائزة أفضل رواية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب.

المستشار أشرف العشماوي، هو قاضٍ وروائي مصري، وما لا يعرفه الكثير عن هذا الروائي العظيم، كان جده وزيرا للمعارف ورئيسا لجامعة فؤاد الأول، وكان والده دبلوماسيا بوزارة الخارجية، ووالدته خريجة الجامعة الأمريكية.

ولنتعرف أكثر على الروائي والمستشار أشرف العشماوي، كانت لكلمتنا هذا الحوار ليحكي لنا تفاصيل أكثر عن عن عالمه الروائي، وعن وجهات نظره في موضوعات مختلفة.

تتميز رواياتك بالحس الجنائي والبوليسي؛ فسيدة الزمالك تتناول جريمة قتل “شكوريل”، وبيت القبطية تتناول جريمة قتل في الصعيد، وفي صالة أورفانيللي تناولت جريمة قتل غامضة تجمع أبطال القصة الثلاثة بخيط رفيع.. فهل لوظيفتك كقاضٍ دور في كتاباتك الروائية؟

الحقيقة أنني لا أرى ما أكتبه بوليسيا، لكنه ربما يكون مشوقا فيختلط الأمر على البعض، رواية “سيدة الزمالك” تنطلق أحداثها من جريمة قتل شيكوريل في صفحة واحدة والقارئ يعرف من القاتل وكيف حدثت الجريمة، ثم تتناول الرواية تشريح المجتمع وبيان الطبقات الطفيلية التي ظهرت على السطح وتصدرت المشهد، هذا لا يمكن اعتباره أدبا بوليسيا في تقديري، أيضا “بيت القبطية” بها جرائم قتل لكن الفاعل مجهول بسبب حبكة الرواية عن التقاعس في جرائم الفتنة الطائفية بالصعيد وقت زمن الرواية من عشرين عاما مضت تقريبا هنا لا يمكن اعتبار بيت القبطية رواية بوليسية، وحتى “صالة أورفانيللي” فجرائم القتل بها تنقل حال اليهود المصريين في فترة العهد الملكي وما بعد يوليو 52 حتى السبعينات ومجتمع المال والصفقات وصالات المزاد، وطبيعي أن تكون هناك جريمة لكنني في كل رواياتي لا أبحث عن تشويق من نوعية من القاتل التي اشتهرت بها الروايات البوليسية. أظن أن رواياتي تصنف بواقعية اجتماعية كما يقول النقاد عنها وأعتقد أنه وصف أقرب للصحة من البوليسية، أما عملي كقاض فلا أستقي منه أفكارا لرواياتي – مع العلم إنه يحق لي أن أفعل – لكني أعتمد على خيالي بالدرجة الأولى وطالما لازلت قادرا على التخييل فلماذا الجأ لنماذج أمامي سهلة.

– من الملاحظ أن كثيرا من رواياتك تتناول حقب تاريخية مختلفة، فهل تصنف رواياتك بأنها تاريخية؟ وهل تشغلك فكرة التنوع؟

أنا أصدرت تسع روايات على مدار مسيرتي الروائية للأن، أربع منها فقط تتناول التاريخ كخلفية للأحداث والبقية معاصرة وليست تاريخية بالمعني المتعارف عليه في الرواية، في رأيي أن أي روائي لا يلجأ للتاريخ مجانا إنما للإسقاط ولأجل مساحة أكبر من حرية الكتابة، ولأن التاريخ المعاصر القريب – وأقصد به المئة عام الأخيرة – غنية بالدراما والقصص التي لم يحكها أحد بعد، وأظن أن بعد سنوات طويلة قضيتها في الأرشيفات المتنوعة لدار الكتب ودار الوثائق القومية وجريدة الأهرام ودار الهلال أن لدي مخزونا كبيرا من الأفكار والقصص والشخصيات التي تصنع روايات قادمة ربما تصل لعدد أصابع اليد الواحدة وطالما في العمر بقية فسوف أكتب، أما موضوع التنوع فأظن أن رواياتي التسع لا يوجد تشابه بينها حتى لو تشابه العصر الذي تدور فيه الأحداث فمثلا صالة اورفانيللي عن صالات مزاد اليهود المصريين في النصف الأول من القرن العشرين، ورواية تذكرة وحيدة للقاهرة في نفس الفترة الزمنية لكنها تدور في فلك آخر عن النوبي المهاجر للقاهرة فيدخلها من أبواب خلفية، ويستقر في قاع المجتمع وحيدا مضطهدا، وسيدة الزمالك نفس العصر والزمن لكن عن طبقات اجتماعية صعدت واخرى هبطت حتى تبخرت. لا يوجد أي تشابه بين رواياتي تلك وأنا حريص على التنوع أكثر في كل رواية.

كيف ترى تعدد وجهات النظر حول روايتك الأخيرة “صالة أورفانيللي”، والرسالة التي أردت إيصالها أو تناولها؟

في الأدب لا يوجد رأي صحيح لأن القارئ يملك وجهة نظر لابد وأن تحترم، لكن لو عن القصد باعتباري المؤلف فأنا قصدت قضية حياتية بالطبع وهي أن كل شيء يمكن أن يباع حتى البشر ووقتها سنفقد إنسانيتنا لو أصبحنا مثل قطعة فنية في مزاد تنتظر دورها.

 

كيف ترى قضية الشللية في الأدب، أو ما يطلق عليهم “أدباء وسط البلد”؟ وهل تؤثر هذه الشللية في الحركة النقدية في مصر؟

أعتبر نفسي من المحظوظين، فقد كتب عني كبار الأدباء والنقاد في مصر والوطن العربي، وتناولت رواياتي كبرى الصحف الأدبية في مصر والوطن العربي، وحينما ترجمت بعض رواياتي تناولتها صحافة اجنبية متخصصة بمقالات نقدية وتحليلية. الحقيقة لقد نلت ما تمنيت من اهتمام، أما أن هناك أدباء وسط البلد فهذا المصطلح رغم تحفظي عليه إلا أنني لا أرى فيه خصومة او هجوما على الأقل من ناحيتي لأنني ببساطة لا أدخل في معارك أدبية من أي نوع ولا أحمل أي ضغينة أو لدي خصومة مع كاتب أو روائي. أما إذا كان أحدهم أو بعضهم لديه خصومة معي أو كراهية فأعتقد أن السؤال يوجه له بالأساس لا لي. أنا مؤمن بأن السنة بها 52 أسبوعا أي 52 كتابا، والقارئ يفرز ويختار. أنا لا أدخل في منافسة مع آخرين وأحسب أن لدي علاقات طيبة مع الغالبية.

 

– بعد تعاقد الدار المصرية اللبنانية مع شركة سينرجي فيلمز، لتحويل رواية صالة اورفانيللي لفيلم سينمائي.. هل كانت لديك شروط معينة لكتابة السيناريو تم الاتفاق عليها قبل توقيع العقد؟

أنا اتعامل مع شركات الإنتاج عبر وكيلي الأدبي لكوني قاض ولا أحب الدخول في مفاوضات مالية أو فنية مع منتجين بسبب اعتبارات وظيفتي وقيودها. انا لا اكتب السيناريو لأي عمل ولا يجوز لي ذلك قانونا لأنه عمل تجاري بحت عكس الكتابة الأدبية التي يصفنها القانون بأنها عمل إبداعي يجوز للقاضي ممارسته مثله مثل تأليف الموسيقى او رسم لوحة. كل ما طلبته من وكيلي الأدبي أن يتم الاحتفاظ باسم الرواية على الفيلم ولا يتم تغييره لأي سبب وهذا شرطي في كل أعمالي التي تم بيعها وفيما عدا ذلك أنا استعير مقولة أستاذنا نجيب محفوظ “أنا مسئول عن روايتي فقط، والمخرج والسيناريست والمممثلون مسئولون عن العمل الفني” .

– ما اقرب أعمالك الروائية الي قلبك؟

كلهم وقت كتابتهم كانوا الأقرب وكل واحدة لها ظروف وحالة معينة ظهرت فيها، لكن “تذكرة وحيدة للقاهرة” و”كلاب الراعي” لهما مكانة أكبر في قلبي ربما بسبب أبطالهما فقد أحببتهم أكثر من أي أبطال أخرين.

– ما هي أكثر شخصية تأثرت بها في رواياتك؟

كل رواية توجد بها شخصية آسرة بالنسبة لي ولا يمكنني نسيانها، “يوسف” في رواية “تويا”، و”الثعلب” في رواية “زمن الضباع”، و”ماهر السوهاجي” في “المرشد”، و”كمال سيف الدولة” في “كلاب الراعي”، و”الساقي” في “البارمان”، وعجيبة سر الختم في تذكرة وحيدة للقاهرة وزينب المحلاوي في “سيدة الزمالك” ورمسيس حاجب الاستراحة في “بيت القبطية” ومعه الخفير تبوي الديب واخيرا منصور التركي وهارون في رواية صالة اورفانيللي.

-ما هي الرواية التي اعتبرتها نقطة تحول في مسيرتك المهنية كروائي؟

كلاب الراعي لأنها كتبت بعد ثورة يناير بعام ونصف توقفت فيها عن الكتابة وعدت بفكرة الرواية التي تعبر عن حالة المجتمع في الفترة من 2012 حتى 2014 وهي فترة صعبة وكارثية أثناء حكم جماعة الإخوان حتى رحيلهم.

– ما هو الكاتب المفضل لديك من الأجيال السابقة والأجيال الحالية؟

صعب جدا اختيار كاتب واحد فعلى سبيل المثال أنا أحب من الأجيال السابقة الأساتذة نجيب محفوظ ويوسف إدريس وفتحي غانم ومحمد ناجي وخيري شلبي وفؤاد حداد والمرحوم مكاوي سعيد وبالطبع جيل الرواد حاليا أبراهيم عبد المجيد والمنسي قنديل وبهاء طاهر وصنع الله ابراهيم والمخزنجي وبعدهم الاستاذ عادل عصمت. كل هؤلاء مبدعون تعلمت منهم وتمنيت أن أكون في مكانتهم واستمتعت بالقراءة لهم ولازلت.

– أي الكتب تفضل أن تقرأ التاريخية والجنائية فقط أم تفضل نوع آخر من الكتب؟

أقرأ في التاريخ وعلم النفس والسير الذاتية والروايات والقصص والشعر خصوصا بيرم التونسي، وأقرأ في علم الاجتماع وبعض الكتب السياسية التي تتناول تحليل حقب معينة كل هذه النوعيات أفضلها. أيضا أقرأ كتب متخصصة عن الجريمة وعن الشوارع وعن المدن القديمة وعن المهن الغريبة وأقرأ كثيرا في عالم الحيوان أيضا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى