لا أجد كلمات تصف ما نشعر به اتجاهك غير كلمة اعتذار اكتبها لك عبر مهنتي الصحفية، فكُلنا مقصرون وعاجزون، فأنت أعطيت لكل صحفي في العالم درسًا لم تعطه لنا دراستنا الإعلامية وهي أن مهنة الصحافة مهنة تحقيق العدل والخير والحرية، وأعطيت لكل إنسان على هذه الأرض عندما تضيق به لحياة فليتذكر محنتك ويصبر ويحتسب.
“وائل الدحدوح” طوال الأشهر الثلاثة الماضية ونحن نتابع معك لحظة بلحظة ما يحدث في وطنك ووطننا أيضاً الحبيب فلسطين، فبرغم استشهاد معظم أفراد عائلتك فتقف مثل الجبل لا يهزك ريح، تنقل لنا الحقيقة بكل مصداقية وشجاعة..
فكان ينفطر قلبنا على وطنك وعلى وجعك، فكيف قلبك أنت يا “أبو حمزة” كيف تلقيت خبر استشهاد فلذات أكبادك أبناءك، وكيف تلقيت خبر استشهاد رفيقه العُمر زوجتك، وكيف تلقيت خبر روح الروح حفيدتك، كيف بعد ساعات قليلة من دفنهم تحت التراب، ترجع لنا عبر شاشات التليفزيون وتقف صامد أمام الكاميرا وتقول لنا “مستمرون رغم الوجع”..
وتقف مرة ثانية أمام العالم في السنة الجديدة وتقول “رغم كل شيء نقول كل عام وأنتم بألف خير وسلامة”، وبعد كل هذا الوجع والدمار والكسرة تعود لنا لتوجه رسالة للعالم وتقول “سنعود ونعمر الديار رغم كل شيء”..
لن ننسى هذة الُجمل يا “أبو حمزة” فإنها حُفرت فى قلوبنا وحُفرت في التاريخ كدروس تُدرس لأبنائنا وأحفادنا، لن ننسى مشهد دموعك وأنت متكئ أمام جثمان ابنك محمود ومسكت يدك بيد ابنك حمزة وهم ملفوفون بأكفانهم البيضاء، مناشدًا العالم بوضع حد لهذه المجزرة، عند استشهاد حمزة روح الروح وكل شئ قائلًا: “أتمنى أن تكون دماء ابني حمزة آخر الدماء من بين الصحفيين والناس في القطاع”.
لن ننسى أنك تذهب لتوديع أفراد عائلتك وأنت ترتدي سترة الصحافة، لن ننسى كلماتك العظيمة التي صدرتها عبر الميكروفون، وكأنه سيفك الذي تحارب به الظلم والقهر فتقول: “إن دموعك لا ينبغي أن تفسر على أنها دموع الانهيار والخوف والجبن، وليخسأ جيش الاحتلال”..
لن ننسى عندما تعرضت لإصابة شظايا بيدك اليمنى خلال غارة على خان يونس جنوب غزة في 15 ديسمبر واستشهاد زميلك سامر أبو دقة لم تمنعك إصابتك من تشييع جثمان زميلك سامر ومواصلة عملك لتوجه لنا رسالة أخرى أن الصديق مع صديقه حتى الموت..
ااه يا “أبو حمزة” أعطيتنا دروساً كثيرة لو عشنا ألف عام ما تعلمنا ما تعلمنه فى الثلاثة أشهر الأخيرة، أعطيتنا دروساً، نحن المشاهدين العرب وأصبح مننا يردد ويسأل أين عروبتنا؟ وأين حريتنا؟ والأهم أين وازعنا الديني الذي يدفعنا لاقتحام المخاطر والصعاب”..
وأخيراً وليس بآخر “برغم كلمات كل صحفي حاول أن ينقل معاناتك للعالم، لا توجد كلمات تصف وجعك وتخفف ألم الفقد وكسرة القلب التي تشعر بها، نتمنى أن تكون محفورا في ذاكرة العالم، وتكون دائماً الدرس الذي نحتذى به في الصبر والمثابرة والذي يلهم الآخرين على الصبر والاحتساب على شدائدهم ومصائبهم في الحياة، نتمنى أن يكون لدينا قوة الروح والقلب التي تحملها بداخلك، نتمنى أن نكون صحفيين بكُل ما تحمله الكلمة من معنى، مثلك تماماً”.
“إذا أردت أن تكون صحفيًا حقيقيًا فكُن مثل وائل الدحدوح”