تعتبر قرية ساقية أبو شعرة إحدى أهم قرى محافظة المنوفية التي احتلت مكانة عالمية في تاريخ الصناعات والحرف اليدوية المصرية، حيث اشتهرت بدورها المميز في صناعة السجاد اليدوي والكليم، والتي تعتمد في تكوينها على الخامات الأولية المتوفرة في البيئة الطبيعية، مضافًا إليها بعض الخامات المستوردة.
كما تعكس الحرف اليدوية أهمية كبيرة في أنها تعبر عن الهوية المصرية، بالإضافة إلى توفيرها فرص عمل حقيقية بأبسط الإمكانيات، مع ضمان هامش ربح يساعد في سد احتياجات الأسر المنتجة، وقد تتحول إلى مشاريع استثمارية رائدة تعكس دورها الكبير في تحقيق مكاسب واستثمارات تقوي الاقتصاد المحلي.
وتعتبر قرية ساقية أبو شعرة إحدى قرى مركز أشمون التابع لمحافظة المنوفية من أشهر القرى في تصنيع السجاد اليدوي، وظهرت براعتهم أولاً على أهل القرية، حيث لا يخلو منزل واحد من نول السجاد، ثم بعد ذلك نجح أبناء القرية في إنتاج أجود أنواع السجاد اليدوي باهظ الثمن، بسعر يتراوح ما بين خمسة عشر ألفًا إلى أربعين ألف جنيه.
مرحلة الظهور
ذكر مسعد عمران، الرئيس السابق لمجلس إدارة غرف الحرف اليدوية باتحاد الصناعات المصرية، إن صناعة السجاد اليدوي في القرية بدأت منذ عام 1954، حيث كانت هذه المهنة هي مصدر الدخل الرئيسي وقد يكون الوحيد للسكان. ويعد سجاد أبو شعرة الأغلى على مستوى العالم، وكانوا يعملون على تسويقه للسائحين وأصحاب التراث.
وتابع عمران قائلاً إنه بدأ في صناعة السجاد اليدوي عن عمر صغير، مشيرًا إلى أن تعلم هذه الحرفة يبدأ من سن الخمس سنوات، حيث يلتحق الأطفال في ورش لتعلم المهنة حتى يصلوا إلى مرحلة القدرة على إنتاج سجادة بمفردهم.
وأضاف قائلاً: “استمر عملي في صناعة السجاد حتى أصبحت من أكبر الحرفيين في القرية، وافتتحت أول مصنع، حيث حرصت على توفير فرص عمل لأصحاب المهارة الذين لا يملكون الإمكانيات المادية للعمل بمفردهم لعدم قدرتهم الكاملة على شراء الخامات المستخدمة”.
أنواع السجاد
وأشار مسعد إلى أن السجاد اليدوي يتجاوز 4000 نوع، لكن نوعين فقط هما الأكثر شهرة وطلبًا في مصر، وهما الحرير والصوف، وتعد هذه الأنواع مما كان يتم تصنيعه في العصر المملوكي والفرعوني، كما يمكن أن تصنع السجادة بمزيج من الخامات كالصوف والقطن والحرير، ويختلف سعر كل قطعة حسب الخامة المصنعة بها، لذلك يعتبر الحرير الأغلى ثمنًا، في حين توافر السجاد الصوف بأسعار اقتصادية، مما يجعله الأكثر رواجًا مقارنة بالحرير.
موضحًا أنه يتم استيراد الخامات من الحرير وغيرها من أربعة دول، وهم الصين والبرازيل وروسيا وأوزبكستان، ولكن بعد الغلاء الكبير في الأسعار، أصبح يتم استيراد الحرير من بواقي مصانع القماش في إيطاليا، لافتًا إلى أنه أفضل من حرير السجاد وأجود منه.
مراحل الإنتاج
واستكمل مسعد حديثه قائلاً إن تصنيع السجاد يمر بخمسة مراحل، وهم: شراء الأدوات والخامات، ثم إعداد النول وتثبيت الخيوط التي يتم نسج السجاد عليها، ثم يتبعه بعد ذلك مرحلة اختيار التصميم الذي سيستخدمه أثناء التصنيع، وتليها مرحلة صباغة خيوط الحرير وفقًا للألوان المطلوبة، ثم تأتي المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة إعداد السجاد وتغليفه وتجهيزه للبيع.
خطة تسويقية
بعض المواطنين يواجهون صعوبة في تسويق منتجاتهم لسيطرة كبار التجار على السوق، وعدم قدرتهم على الاستفادة من وسائل التسويق الحديثة، وهي المشكلة التي يعاني منها محمد حسني، الذي أوضح أن السجاد يتم تسويقه إما عن طريق تاجر معروف يقوم بشراء جميع المنتجات ويسوقها للمشترين أو عن طريق المنتج نفسه، مشيرًا إلى أن التسويق الشخصي يعتبر خسارة له ولمنتجه، قائلًا: “العامل الذي يبيع في وسط البلد يخسر كثيرًا، فإما يواجه خطر ركود بضاعته أو يضطر لبيعها بثمن بخس، نظرًا لسيطرة كبار التجار على السوق لشهرتهم وقدرتهم على جذب المشتري بسهولة”.
ومن جانبه، رد مسعد على هذه الادعاءات بقوله إن هذا تفكير عقيم، موضحًا أن سبب فشل المواطنين في تسويق منتجاتهم في الأسواق هو أنهم يصنعون السجاد حسب أهوائهم وليس وفق احتياجات السوق، وبالتالي لا يكون هناك إقبال على منتجاتهم. كما أشار إلى أنه حاول مرارًا وتكرارًا مساعدتهم وتوفير الدعم من الجهات المسؤولة، إلا أن أهل القرية رفضوا ذلك.
الجوبلان: حرير الغلابة
وأشار محمد حسني إلى ظهور نوع جديد في الأسواق يتمتع بشهرة واسعة في محلات السجاد، نظرًا لتعدد أشكاله ومقاساته وخفته وسهولة تنظيفه، وبالطبع سعره الاقتصادي، وهو الجوبلان. وأوضح “حسني” أنه يقوم بتصنيع أنواع متعددة من السجاد اليدوي مثل الجوبلان والبورسول والكليم، وهذه الأنواع يتم إنتاجها بأدوات تختلف عن السجاد الآخر، قائلاً إن الجوبلان يحتاج إلى تفاصيل كثيرة، وبالتالي يستخدم في تصنيعه نول ضيق لإظهار هذه التفاصيل، بينما الكليم يحتاج إلى نول أوسع لأن المسافة بين الوحدات المكونة له واسعة.
تراث يورثه الأجداد
كشف عمارة محمد، أحد صانعي السجاد اليدوي بمنزله، عن سبب تعلق معظم سكان القرية بصناعة السجاد، قائلًا إنه نشأ منذ صغره على حب المهنة، فقد كان أهله يعملون بها واستمر في العمل بها بعد زواجه، حيث شاركته زوجته وأولاده في العمل، وأصبح مصدر الرزق الوحيد له ولأسرته. موضحًا أن العمل الحر بالنسبة له، حتى ولو كان عائده المادي قليلًا، إلا أنه أفضل من العمل بالخارج في مؤسسة خاصة أو حكومية بعيدًا عن سلطة رب العمل.
ومن جانبه، أكد عمارة أن هذه المهنة لا تؤثر على دراسة أولاده، موضحًا أن عملهم بجانب الدراسة ساعدهم كثيرًا على تنظيم أوقاتهم بما يفيد، بدلاً من ضياعها فيما لا يفيد، مشيرًا إلى أنه يتمنى أن يجمع أولاده بين المؤهل الجامعي وإتقان حرفة صناعة السجاد؛ للمحافظة على تراث العائلة، كما أنها وسيلة لزيادة دخل الأسرة.