“أشخاص مهملون”.. شهادة من الداخل تفضح أسرار فيسبوك وتواطؤها مع الأنظمة والشركات

في كتابها الجديد “أشخاص مهملون” (Careless People)، تكشف سارة وين ويليامز، المسؤولة السابقة عن السياسات العامة العالمية في شركة فيسبوك، النقاب عن أسرار خطيرة تتعلق بكيفية إدارة المنصة، وتورطها في ممارسات أثارت جدلًا عالميًا على مدار سنوات. الكتاب، الذي ينتمي إلى أدب الشهادات المهنية، لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يضعها في سياقها الأخلاقي والسياسي، ويقدم نقدًا حادًا لفلسفة الشركة في التعامل مع الأزمات، خصوصًا في ما يتعلق بالأمان الرقمي والديمقراطية.
كامبريدج أناليتيكا.. كيف باعت فيسبوك ديمقراطية العالم؟
من أبرز المحطات التي يتناولها الكتاب فضيحة شركة كامبريدج أناليتيكا، التي حصلت على بيانات شخصية لملايين المستخدمين من خلال تطبيقات مرتبطة بفيسبوك دون علمهم، واستُخدمت هذه البيانات في التأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية عام 2016 لصالح دونالد ترامب. الكارثة، بحسب الكاتبة، لم تكن فقط في تسريب البيانات، بل في إصرار إدارة فيسبوك على إنكار مسؤوليتها وتجاهل التحذيرات الداخلية، حيث تعاملت مع الأزمة بوصفها “مشكلة علاقات عامة”، وليست تهديدًا مباشرًا للنظام الديمقراطي العالمي.
المراهقات في مرمى الخوارزميات
يلقي الكتاب الضوء على الأثر النفسي المدمر الذي تسببت به خوارزميات فيسبوك وإنستغرام على المراهقات، حيث كانت الشركة على علم بأن منصاتها تدمر ثقة الفتيات بأنفسهن وتؤدي إلى اضطرابات سلوكية ونفسية، إلا أنها تجاهلت هذه النتائج واستمرت في تقديم الإعلانات التي تستغل انعدام الأمان النفسي لديهن، في سبيل تحقيق أرباح مالية.
مأساة ميانمار.. موظف واحد يراقب دولة كاملة
واحدة من أكثر الشهادات صدمة في الكتاب تتعلق بدور فيسبوك في تأجيج العنف العرقي في ميانمار (بورما)، حيث سمحت المنصة بانتشار دعوات الكراهية والقتل ضد أقلية الروهينغا. المفاجأة التي تكشفها الكاتبة أن الشركة كانت قد خصصت موظفًا واحدًا فقط لمراقبة المحتوى في ميانمار، ما ساهم في السماح بنشر الأخبار الكاذبة والتضليل والتأجيج، ونتج عنه مآسٍ إنسانية كارثية.
الصين.. تقارب خطير مع الشيوعيين
تتناول وين ويليامز العلاقة المعقدة بين فيسبوك والحزب الشيوعي الصيني، حيث حاولت الشركة كسب ود الحكومة الصينية للدخول إلى السوق المحلية، حتى وإن تطلب ذلك تقديم تنازلات غير أخلاقية مثل السماح بتداول بيانات المستخدمين مع السلطات. تروي الكاتبة واقعة مثيرة، حيث طلب مارك زوكربيرغ شخصيًا من الرئيس الصيني شي جين بينغ اختيار اسم ابنته، في محاولة للتقرب من القيادة الصينية.
زوكربيرغ والكونغرس.. شهادة ملغمة بالمغالطات
في شهادته الشهيرة أمام الكونغرس الأمريكي، اتُهم زوكربيرغ بتضليل المشرّعين وإخفاء الحقائق بشأن خصوصية المستخدمين. تؤكد الكاتبة أن ما قدمه زوكربيرغ أمام أعضاء الكونغرس كان محاولة للتهرب من المساءلة القانونية، عبر خطاب مراوغ ومعد بعناية، يخفي أكثر مما يظهر. ولفتت إلى أن الشركة عمدت إلى تقديم تفسيرات تقنية مضللة لإبعاد الشبهات عنها.
فيسبوك.. من منصة تواصل إلى مصدر خطر عالمي
يُظهر الكتاب أن فيسبوك لم تعد فقط منصة تواصل اجتماعي، بل تحوّلت إلى كيان ضخم يمتلك قدرة هائلة على التأثير في المجتمعات والانتخابات والأفكار، دون أن يمتلك ضوابط أخلاقية واضحة. تصف الكاتبة المنصة بأنها “شركة تبحث عن الأرباح حتى لو كان الثمن زعزعة الاستقرار العالمي”، وتُحمّل الإدارة العليا، وعلى رأسها زوكربيرغ، مسؤولية مباشرة عن تجاهل التحذيرات، وغياب الشفافية، والتلاعب بمشاعر وخصوصيات المستخدمين.
“أشخاص مهملون” ليس فقط كتابًا عن أخطاء مهنية، بل وثيقة إدانة حقيقية لمنظومة كاملة تخلت عن القيم مقابل الأرباح، وسمحت بتحول التكنولوجيا إلى أداة خطر على الأمن المجتمعي والدولي.