رؤى التحول الاقتصادي والطاقة| مصر.. حين تصبح العاصفة فرصة

ليس سرًا أن الاقتصاد العالمي يتخبّط، وأن الأسواق الكبرى تعيد ترتيب أوراقها تحت وطأة حروب تجارية وصراعات جيوسياسية، وتغيرات مفاجئة في موازين القوى. لكن المدهش أن يكون وسط هذه العاصفة بلد كنا نظنه ضحية للتقلبات، فإذا به يتحول إلى مركز جذب يقدم نموذجًا متماسكًا للاستقرار والفرص الواعدة. نعم، أتحدث عن مصر، لا باعتبارها وطنًا نحبه ونسرف في مدحه، بل بوصفها سوقًا ناضجة بدأت تجد لنفسها مكانًا مختلفًا في خريطة الاقتصاد الدولي.
في ظل حرب جمركية شرسة بين الولايات المتحدة والصين، ومع تصاعد النزعات الحمائية في الغرب، فقد العالم الثقة في استقرار بيئة الاستثمار التقليدية. المستثمر الذي كان بالأمس يحلم بموطئ قدم في نيويورك أو شنجهاي بات اليوم يبحث عن أمان تشريعي، وبنية تحتية جاهزة، وسوق استهلاكية ضخمة، وأيدٍ عاملة مدرّبة وأقل تكلفة. وكلها، صدفة أو عمدًا، باتت متوفرة في مصر.
لا تملك كثير من دول العالم النامي رفاهية أن تقول إنها أنجزت شبكة طرق بطول ما أنجزته مصر في عشر سنوات. ولا تملك أغلب الأسواق الصاعدة بنية تحتية متطورة من موانئ وقطارات وشبكات كهرباء واتصالات ومناطق صناعية مؤهلة للعمل من الغد. مصر فعلت ذلك ليس فقط من أجل مشروعاتها القومية، بل لأن أحدًا ما في دوائر صنع القرار كان يرى هذا اليوم: يوم يفرّ المستثمر من كبرى العواصم بحثًا عن أرض آمنة.
ما يجري اليوم ليس دعوة للعالم كي يستثمر في مصر، بل اختبار لقدرتنا نحن على استثمار اللحظة. فبينما تُرغِم الولايات المتحدة الشركات على العودة من آسيا بالقوة، وتهدد أوروبا بسقوف إنتاجية جديدة، تنهار الثقة في الأسواق الكبرى لحساب الأسواق الصاعدة شرط أن تكون جاهزة.. ومصر جاهزة.
ما ينقصنا اليوم ليس البنية، بل الرواية. أن نعرف كيف نحكي للعالم حكايتنا كما هي: بلدٌ يعيد بناء ذاته، يملك سوقًا من 120 مليون نسمة، ويطرق أبواب أفريقيا وآسيا والعالم العربي باتفاقات تجارة حرة، ويقدّم حوافز حقيقية غير مشروطة لمن يرغب في التصنيع لا البيع فقط.
وإذا كان العالم يعاني تضخمًا جامحًا وركودًا يوشك أن يصير كسادًا، فإن مصر وحدها تقول للمستثمر: يمكنك أن تبدأ من هنا، وتصدر إلى هناك، وتصنع فرقًا حقيقيًا دون أن تحترق بفواتير الغرب أو فوضى الشرق.
الفرصة لا تنتظر، والعالم لا يُعيد تموضعه مرتين. ومن يُجيد قراءة البوصلة، سيعرف أن مصر ليست فقط ناجية من العاصفة.. بل هي ببساطة إحدى الوجهات القليلة التي تحوّلت إلى ملاذ.