كاتب ومقال

بين الحقيقة والخيال| أجمل بطة قبيحة!

لا يمكنك إدراك مدى الجمال داخلك إلا إذا تعرضت لمحنة كبيرة، نعم، هذه حقيقة، وكي نستطيع إدراكها فعلينا أ ن نعود لواحدة من أجمل قصص الأطفال في التاريخ الإنساني، وهل هناك أعظم من هانز كريستيان اندرسن في قصته للأطفال التي عنوانها “البطة القبيحةّ”.

قبل أن يموت اندرسن قال “ إذا أردتم ان تعرفوا كيف كانت حياتي ، فعليكم أن تقرأوا قصة البطة القبيحة التي كتبتها منذ سنوات”،

‎نعم، هناك العديد من أوجه الشبه بين حياة في قرية دانمركية هادئة، كان هانز كريستيان أندرسن يجلس بجانب بحيرة محاطة بالأوز. كان شابًا حالمًا، لكن الحياة لم تكن لطيفة معه دائمًا. الناس في البلدة كانوا يسخرون من مظهره الغريب، ومن صوته النحيل، وحبه للقصص الخيالية التي بدت لهم سخيفة. كان يشعر أحيانًا أنه غريب وأنه لا ينتمي لهذا العالم، مثل طائر غريب وسط سرب متشابه.

ذات صباح، بينما كان يراقب فراخ البط تسبح، لاحظ واحدًا مختلفًا. كان رماديًا، أخرق الحركة، وأكبر من إخوته. الأوزّات الصغيرة كانت تبتعد عنه، تضحك وتنقره إذا اقترب. هانز شعر بألم في قلبه، كأن هذا الفرخ يعكس روحه. تذكّر طفولته حين كان الأطفال يهزأون به، ينادونه “الغريب”. لكنه لاحظ شيئًا آخر: عينا الفرخ كانتا تلمعان بإصرار، كأنه يعرف أن له مكانًا ما، حتى لو لم يره أحد بعد.

عاد هانز إلى كوخه المتواضع تلك الليلة، وتحت ضوء شمعة خافت، بدأ يكتب. تدفقت الكلمات كالنهر: قصة فرخ بطٍّ قبيح، رفضه الجميع، لكنه لم يكن بطة على الإطلاق، بل بجعة تنتظر أجنحتها لتنمو. في كل كلمة، كان هانز يكتب عن نفسه – عن أحلامه، عن شعوره بالوحدة، وعن أمله بأن يومًا ما سيرى العالم جماله الحقيقي. لم يكن الفرخ مجرد طائر، بل رمزًا لكل من شعر يومًا أنه لا ينتمي.

عندما انتهى، نظر إلى الصفحات الممتلئة بالحبر وابتسم. كان يعلم أن هذه القصة ستصل إلى قلوب من يشعرون مثله. لم يكن يحتاج إلى أن يصبح بجعة في عيون الآخرين، فقد وجد جناحيه في الكتابة. القصة، التي سُمّيت لاحقًا “فرخ البط القبيح”، لم تكن مجرد حكاية للأطفال، بل مرآة لروح هانز وكل من يجرؤ على الحلم رغم الرفض.

في اليوم التالي، عاد إلى البحيرة. الفرخ الرمادي لم يعد هناك. ربما طار بعيدًا، أو ربما وجد سربه. هانز لم يعد بحاجة لمعرفة مصيره، فقد أعطاه حياة جديدة على الورق. وهكذا، بقيت القصة خالدة، تذكّر العالم أن الجمال الحقيقي يكمن في القلب، وأن كل “فرخ قبيح” قد يكون بجعة تنتظر اكتشافها.

وعلى الرغم من أن أندرسن لم يصرح أبدًا بأن القصة مستوحاة بشكل مباشر من حياته، إلا أن العديد من النقاد والباحثين يرون أن هناك عناصر من حياته انعكست في القصة. فقد عانى أندرسن من طفولة صعبة، حيث كان والده مدمنًا على الكحول وتوفي عندما كان في الحادية عشرة من عمره. وكانت والدته تعمل في غسل الملابس بينما تعاني أسرته من الفقر. هذه الظروف الصعبة قد تكون أثرت على تصويره للشخصيات المنبوذة والمهمشة في قصصه، مثل “فرخ البط القبيح”. كما كان أندرسن شخصًا انطوائيًا في طفولته، وكان يجد صعوبة في تكوين صداقات. هذا الشعور بالوحدة والانطواء يمكن رؤيته في قصة “فرخ البط القبيح”، حيث يشعر البطل بالوحدة والرفض من قبل إخوته وأقرانه. ورغم كل ذلك كانت حياة أندرسن مليئة بالأحلام والطموحات، وكان يرغب في أن يصبح مغنيًا أو ممثلًا. في قصة “فرخ البط القبيح”، يتحول البطل من فرخ بط قبيح إلى بجعة جميلة، وهذا التحول يمكن رؤيته كرمز للأحلام والطموحات التي حققها أندرسن في حياته.

‎وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهها أندرسن في حياته، إلا أنه تمكن من تحقيق نجاح كبير ككاتب. ففي قصة “فرخ البط القبيح”، يتغلب البطل على الصعوبات ويتحول إلى بجعة جميلة، وهذا يمكن رؤيته كرمز للتغلب على الصعوبات وتحقيق النجاح.

بقلم:
د. زين عبد الهادي
الكاتب والأكاديمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى