كاتب ومقال

دار في خاطري| دقات الساعة

كم أكره ذلك الوقت الذي يعمه السكون، ويخيم عليه الهدوء الذي لا يبدده إلا صوت دقات الساعة منذرة بمرور الوقت، دقات ثابتة مستمرة، لا تتوقف ولا تنقطع، يجعلها الهدوء عالية قوية وكأنها جرس إنذار يحذر من المجهول.

رحت أتساءل لماذا لا أسمع صوت دقات الساعة واضحة هكذا على مدار اليوم؟! لماذا لا أسمع صوتها إلا في المساء عندما يخيم الهدوء والسكون؟! لماذا لا يعلو صوت دقاتها عند الضجيج؟! لماذا لا تمتلك الساعات زرا يتحكم في مستوى صوت دقات عقاربها؟! وعند ذلك السؤال الأخير توقفت لأسأل نفسي أسئلة أخرى وهي لماذا سمي عقرب الساعة بهذا الاسم؟! وهل له علاقة بذلك الكائن الحي ذو اللدغة السامة؟! أم للاسم مدلول آخر؟!

بحثت قليلا لأصل إلى أن الاسم بالفعل يقصد به العقرب، حيث أن الوقت قيمة لا تقدر بثمن، فحين يمر دون فائدة فكأنه يلدغك كلدغة العقرب السامة التي لا ينفع بعدها الندم.

ولكن لماذا يلام الإنسان دائما على ضياعه للوقت؟! ولماذا لا يلام الوقت حين يسرق الإنسان؟! أجل! إن الوقت يسرقنا، ألم تلحظ معي عزيزي القارئ ذلك الأمر؟! فحين تمر بأوقات سعيدة تجد الوقت يمر سريعا، وكأن الأيام والساعات ما هي إلا دقائق وثواني، ويتلاشى عندئذ صوت دقات الساعة، فيستتر خلف أصوات الفرح والضحك، أو أننا ننسى أمره أو نتجاهل من أجل تلك اللحظات السعيدة.

أما في الأوقات العصيبة تجد الوقت لا يمر، فتشعر بكل دقيقة وكأنها ساعة، وكل ساعة وكأنها يوم، ويعلو صوت دقات الساعة بثباته واستمراره فتشعر وكأنه صوت نبض قلبك المنبعث من داخلك، وكأن نبض قلبك قد اتحد مع دقات الساعة مشكلا سيمفونية غريبة لا تروق لسامعها، وحينئذ تجد نفسك مجبرا على سماعها، ويضيع الوقت هباء.

أجل! إنه الوقت الذي نصارعه ويصارعنا، نسرقه حينا ويسرقنا حينا، نضيعه ويضيعنا، نركض ونقاوم ونحاول قطعه في ما يفيد، ثم نقف وقفة المنتصر الذي استطاع هزيمة خصمه، فنجده ينظر إلينا ويضحك ضحكات عالية معلنا عن انتصاره في النهاية.

فهنيئا لمن صارع الوقت وهزمه، وبدد السكون، ولم يجعل دقات الساعة هي التي تبدده، فينشر الفرح والبهجة والسعادة، فتهدأ دقات الساعة، ويتلاشى صوتها شيئا فشيئا، وكأن الزمان توقف عند تلك الأوقات السعيدة.

بقلم:
ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى