كلمة ورد غطاها| وداعًا للهواة
بعد مرور عام و نصف على إطلاق تطبيق الذكاء الاصطناعي شات جي بي تي ChatGPT الشهير والذي أحدث ضجة وصدمة كبيرة على كافة المستويات بين مرحب ورافض ومتحفظ ومتخوف من تأثيرات انتشار هذا التطبيق وغيره من التطبيقات الأخرى التي تحاكي قدرات العقل البشري في جمع وتحليل البيانات والمعلومات والخروج بمعارف أو سياقات جديدة، فلأول مرة يمكن أن يتخلى الإنسان عن استخدامه لأهم وأكبر نعمة أنعم بها الله عز وجل عليه ألا وهي نعمة العقل واعماله.
نعم يمكن أن يحدث هذا في حالة الاستسلام التام لتلك التقنيات فلا حاجة لجمع أو تحليل البيانات والمواقف ولا حاجة لاكتساب خبرات أو معارف، فالأمر أصبح أبسط من ذلك بكثير، يكفي أن يحوز على جهاز إلكتروني -هاتف أو حاسب- متصل بشبكة الإنترنت ليقوم بكل تلك العمليات نيابة عنه.
على الجانب الآخر يرى البعض -وهم على حق- أن تلك الأدوات من الضروري استخدامها ليس بصورة كاملة وشاملة ولكن كمعين ومساعد للترقي والوصول إلى المزيد من الدقة والشمولية في أي بحث أو موضوع أو موقف يتعرض له البشر ولذلك فإن قدرة الإنسان الحقيقية ستكمن في قدرته على استخدام وتوظيف تلك التقنيات والحذر باستمرار من آثارها السلبية على العقل أو الاستسلام التام لها وتعطيله بالكلية.
ولكن ولأن عجلة التقدم لا تعود إلى الوراء فإنني أرى أن من مميزات تلك التقنية أنها ستجعل الهواة وأصناف المتعلمين يتوارون تماما، فلن تجد بعد ذلك دراسة أو بحث أو رسالة علمية أو حتى مقال أو لقاء إعلامي يتحدث فيه أحد من هؤلاء الهواة ويستمع له الناس مثلما حدث في الماضي.
ببساطة عندما يظهر أحدهم في أي منتدى أو موقف سيكون محاصرا بعشرات من البشر الذين سيقومون في ثوان معدودة باللجوء لتلك التقنية لكشف زيفه وسطحيته ثم أتوقع في مراحل تالية أن يقومون بمهاجمته بدلا من الاستماع إليه ولذلك فإن تلك التقنيات تضع المزيد من العبء على الإنسان لكي يستمر متفوقا ولكي يقوم بإعمال عقله أكثر وأكثر.
أي أنه ببساطة يجب أن يكون محترفا بدرجة أكبر بكثير من تلك التي توفرها تلك التقنيات ولذلك فإن إنسان المستقبل -بداية من الأطفال- مطالبون بإعادة النظر في أساليب التعلم وأساليب البحث والتحليل والمقارنة والتمحيص لكل ما يتلقونه من معارف وما يمر بهم من مواقف وما يطالعونه من أخبار لكي يستمر العقل البشري متفوقا ولكي ينتهى عصر الهواة وإلى الأبد.