كلمة ورد غطاها| لا تترك دماغك تتعفن

قامت إدارة قاموس أكسفورد الإنجليزي باعتماد مصطلح “تعفن الدماغ” (Brain Rot) لتكون كلمة العام 2024، وذلك بعد مداولات وتصويت اشترك فيه 37 ألف شخص. جاء في التعريف بتعفن الدماغ أنه التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص نتيجة الإفراط في استهلاك المواد الموجودة على شبكة الإنترنت والتي تُعدّ تافهة أو غير صعبة. فالتفاهة أو حتى المواد السهلة التي لا تحتاج إلى أي مجهود ذهني في معالجتها تتسرب إلى العقل الباطن وتستقر فيه، مما تسبب حالة من البلادة وقلة التركيز وضعف القدرة على استغلال القدرات العقلية الطبيعية من بحث ومقارنة وتحليل وصياغة واستنتاج واتخاذ قرار أو الوصول إلى قيمة أو قناعة ما.
وللأسف، وبالرغم من انتشار الأنباء الخاصة بهذا الاختيار منذ أوائل شهر ديسمبر، أي قبل أربعة أشهر من الآن، إلا أن المستخدمين الذين تابعوها لم يتحرك لهم ساكن. ربما تعجب البعض من التعبير، فيما شعر البعض الآخر بما يعنيه من خطورة، وربما تأكد آخرون من أن ما يشعرون به من ضعف في القدرات العقلية ليس محض صدفة، ولكن له تأصيل علمي واضح.
عدم التحرك لمجابهة وحصار هذا التعفن هو الأمر الأكثر غرابة والأكثر خطورة أيضًا، بالرغم من الكثير من المواقع التي تتحدث عن أساليب الإقلال من هذا التعرض المحموم لهذا المحتوى السابق الإشارة إلى خصائصه، ووجود مصطلحات أخرى مثل Digital Detox، أي التخلص من السموم الرقمية، تمامًا مثل حملات وأساليب تخلص الجسم من السموم التي يتناولها الناس في طعامهم وشرابهم. بل أكاد أجزم أن العكس هو الحاصل، فالاقبال على الاستخدام والالتصاق بالأجهزة الإلكترونية وتطبيقاتها المختلفة، ومنها منصات التواصل الاجتماعي، قد زاد. ربما لوجود أحداث عالمية ملتهبة، وربما لمرورنا بشهر رمضان الذي قد لا يجد الصائم أفضل من هذه الطرق للتسلية أو لمتابعة السباق الرمضاني السنوي فيما يُقدّم من دراما وبرامج، أو لزيادة وتنوع تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة مثل تطبيق ديب سيك الصيني أو تطبيقات تحويل الصور وغيرها الكثير.
وللاستدلال على مدى الخطورة، نجد دراسة أجرتها جامعة “بريتش كولومبيا” الكندية ونشرت مؤخرًا في مجلة PNAS Nexus، شارك فيها 400 طالب وشخص بالغ تم منعهم من الاتصال بشبكة الإنترنت على الإطلاق لمدة أسبوعين، والاكتفاء باستخدام الهاتف الذكي في إجراء المكالمات الهاتفية وإرسال واستقبال الرسائل النصية فقط. حيث تم مقارنة نتائج اختبارات قياس وظائف الدماغ والصحة النفسية قبل وبعد تلك الفترة. ظهرت النتائج صادمة، حيث أوضحت أن التوقف عن استخدام الإنترنت لهذه المدة الضئيلة (15 يومًا) أظهر تحسنًا كبيرًا وملحوظًا في الانتباه والتركيز بدرجة تعادل انتباه شخص أصغر بعشر سنوات.
أيضًا من الاستبيانات التي تمت بعد الانتهاء من التجربة، ما أظهر أن 90% من المشاركين أكدوا أنهم يشعرون بتحسن ملحوظ في حالتهم النفسية والذهنية، وارتفاع معدلات الرضا عن الحياة تمامًا مثلما تفعل مضادات القلق والاكتئاب التي يلجأ إليها عدد كبير من الناس في عصرنا الحالي. وهذا موضوع آخر يحتاج إلى تفصيل لاحق.