دار في خاطري| حديث الفصول
ها هو الخريف يلملم أذياله ويعد عدته للرحيل، وها هو الشتاء في أتم الاستعداد ليغمر الكون، فترتدي الأرض ثوبها الأبيض، ويعم سكون وهدوء مختلط بصقيع، وأمطار، وثلوج.
وبينما يستعد الخريف للرحيل قال له الشتاء المتحمس للقدوم: هيا أيها الخريف لا تتكاسل ولا تتباطأ، كفاك عبثا وهيا غادر، لقد اشتاق الكون لي، فقال الخريف بسخرية: كيف يشتاق إليك الكون وأنت تنشر البرد والصقيع هنا وهناك؟ فقال الشتاء مبتسما: عزيزي الخريف إنني أسقط الأمطار التي هي خير يعم الكون، كما أن ذلك البرد الذي لا يرضيك فهو يجعل البشر يبحثون دائما عن الدفيء الذي يجدونه دائما في قلوبهم المُحِبة، وفي أقاربهم بعضهم البعض، فقال الخريف: وأنا أيضا أسقط المطر أحيانا، فأنا أعي جيدا متى يسقط المطر ليكون خير، فقال الشتاء ضاحكا: أنت فصل عشوائي لا تعي أي شيء، فأحيانا تكون حرارتك عالية وكأنك تقلد الصيف، وأحيانا تنخفض حرارتك، وأحيانا تمطر وكأنك تتشبه بي، فأنت مذبذب يا عزيزي لا تعرف كيف تكون.
فقال الخريف في فخر: إنني فصل مميز آتي بعد الصيف الحارق فيغمر الكون نسيم لطيف، وتتجرد الأشجار من أوراقها البالية استعدادا لبداية جديدة تأتي بقدوم الربيع، ولكن وجودك أيها الدخيل بيني وبين الربيع يجعلني أمهد للكون بقدومك وأنت حامل العواصف والأعاصير، فأخفض من حرارتي تدريجيا وأمطر أحيانا كي أذكر البشر بقدومك فيكونوا على أتم الاستعداد لاستقبال فصل البرد والمطر، أرأيت!! إنني لست عشوائيا.
سمع الصيف ذلك الحوار القائم بين الخريف والشتاء، وسمع وصف الخريف له بالحارق، فقال الصيف: كفاكما شجارا يا فصلي السكون والشجن، تأخذون نصف العام ليبقى الكون في سبات عميق، ومن ثم قال بفخر: إنني الصيف، فصل البهجة والنشاط، فكلما ارتفعت حرارتي ازداد البشر نشاطا، فيذهبون إلى الشواطئ يلعبون ويمرحون، ويتناولون الأطعمة الباردة اللذيذة، ويملأ ضجيجهم الكون، فأشعر بالحياة، أما أنت أيها الخريف فتأتي من بعدي لتجبر البشر على السكون، فتجف الأشجار وتتساقط أوراقها، ثم يأتي بعدك ذلك العنيف القاسي الذي يضرب الكون بعواصفه وأعاصيره، ويكسو الأرض بالثلوج.
كان الربيع يستمع جيدا لحديث الفصول وكيف يحاول كل فصل إثبات أنه الأفضل فقال: إن لكل فصل طابعه ورونقه الخاص، ولكل منكم ما يميزه على الآخرين، ولكل منا مميزاته التي تظهر جماله وتظهر جمال باقي الفصول، فلولا برودة الشتاء لما شعر البشر بدفئ الربيع، ولولا أشجار الخريف الجافة لما شعر البشر بروعة أشجار الربيع الخضراء وأزهاره اليانعة، ولولا سكون الشتاء، لما احتاج البشر لنشاط الصيف، وهكذا الكثير والكثير.
أيدت الفصول الثلاث ما قاله الربيع، ثم قال الصيف: ولكن البشر لا يحبوننا جميعا، فقال الربيع: إن البشر مختلفون مثلنا، فهم يشبهوننا، ولكل منهم فصله المفضل، إذن فلنسأل البشر أي فصل من الفصول يفضلون، فوافق الجميع وجلسوا في انتظار سماع آراء البشر.
بقلم:
ريم السباعي