كاتب ومقال

دار في خاطري| الجرح الدامي (الجزء الأول)

وقفت رانيا أمام دولاب ملابسها المفتوح تقلب ناظريها بين الفساتين، فتخرج فستانا وتقلبه بين يديها ثم تعيده إلى مكانه، ثم تخرج آخر وتعيد الكرّة ثانية وقد بدت على ملامحها علامات عدم الرضا، وكانت صديقتها ليلى جالسة على الفراش تنظر إليها بتعجب حتى أغلقت الدولاب فقالت لها: ما بك يا صديقتي؟! ألا يروق لك فستانا من هذه الفساتين؟! فقالت رانيا بضجر: بلى! أريد فستانا غير عاديا، إنه حفل رأس السنة أتفهمين؟!

فقالت ليلى: أفهم جيدا، إن المقصود ليس الحفل بحد ذاته، بل المقصود هو هادي رشوان، فمنذ طلبتي نقلك إلى العمل في الصفحة الفنية في جريدتنا وأنت تعملين على أكمل وجه في تغطية حفلاته الموسيقية، فقالت رانيا وهي تجلس بجوارها: إنني لم أقصر في عملي في أي مكان، ولكن حفلات هادي… فقاطعتها ليلى قائلة: أعلم إنك تحبينه، وأحفظ جيدا كلماتك التي ترددينها دائما عندما نتحدث في هذا الأمر، وأعلم أيضا مدى كرهك لزوجته دنيا، فقالت رانيا في غضب لا تذكري اسمها أمامي، فكلما أتذكر لقائي الأخير بها أشعر برغبة في تحطيم كل شيء من حولي، فقالت ليلى: إهدأي وفكري في أمر الفستان، فقالت رانيا: حسنا سأشتري غدا فستانا غير عاديا ليوم غير عادي.

وفي ليلة رأس السنة كان المسرح يعج بالبشر من مختلف الفئات العمرية والمهنية، بالإضافة إلى عدد كبير من الإعلاميين، وصدح صوت هادي رشوان بأغنياته التي أحبها الجمهور، لتمضي على أنغامه سنة وتقبل عليها سنة جديدة.

انتهى الحفل وغادر هادي خشبة المسرح متجها إلى غرفته الخاصة ليتبعه عدد كبير من جمهوره والإعلاميين، كانت زوجته جالسة كعادتها في الغرفة فهي لا تحب الجلوس بين الجمهور في الصالة، كانت رانيا هي أول من وصل إلى الغرفة، ثم تبعتها ليلى، فألقت رانيا تحية السلام وهنأت دنيا بالعام الجديد بفتور، ثم وجهت حديثها إلى هادي، أما ليلى فأرادت أن تحسن من فعل صديقتها، فرحبت بدنيا بحفاوة، ثم نظرت إليها وقالت: لماذا ترتدين كل هذه الثياب؟! وقبعة وقفاز صوفي أيضا؟! فقالت دنيا: إن الطقس شديد البرودة اليوم، كما أنني متعبة جدا، كان لابد أن أبقى في البيت اليوم، ولكن… ولم تقل شيئا، فقالت ليلى: سلامتك ما بك؟ فابتسمت دنيا وقالت: إن الغرفة ممتلئة بالإعلاميين ولن أقول شيئا، فلم تقل ليلى شيئا وتركتها مسرعة لتنقذ طفلا كاد أن يسقط على الأرض إثر تعثره بشيء ما داخل الغرفة.

كان الضجيج يعم الغرفة التي ازدحمت بالبشر، فقال هادي لزوجته: أين كوب العصير؟! لقد تأخرت في إحضاره اليوم، فقالت زوجته: لم أتأخر فإن الكوب هنا على المنضدة، ثم أعطته الكوب وهي تقول بصوت منخفض: أنت الذي لم تعد تشعر بما يحدث حولك.

وفجأة توقف الضجيج وخيم الصمت لبعض الوقت إثر سماع صوت شاب تحدث بصوت عال على مقربة من هادي قائلا: عمي سأذهب وانتظرك في بيتك لاستكمال السهرة عندك، فأنهي مقابلاتك هذه سريعا ولا تتأخر، وهم ليخرج من الغرفة ولكنه تعثر في شيء ما، فصدم رانيا التي صدمت يد هادي الممسكة بكوب العصير ليسقط من يده على الأرض بعد أن سكب ما تبقى من العصير على ثيابه، فاتجهت زوجته إليه متخللة صفوف البشر من حوله، وراحت تنظف ثيابه، ومن ثم قدمت له كوب العصير الخاص بها الذي لم ترتشف منه أي رشفة بعد.

شرب هادي العصير وما هي إلا بضع دقائق حتى تغير وجهه وقال بصوت خافت متعب: أشعر باختناق شديد، أرجوكم اتركوني الآن، ومن ثم سقط على الكرسي الذي بجواره، صاح الجميع مطالبين طبيبا، فحضر أحد حاضري الحفل الذي لم يكن غادر بعد، فتقدم وفحصه ثم قال: لقد فارق الحياة إثر تسممه، ما أن أنهي الطبيب كلماته حتى سقطت دنيا على الأرض مغشيا عليها.

يتبع..

بقلم:
ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى