كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| أدي دقني لو فلحتوا

يبدأ الكبار في التوجيه بالنصح والعبارات التحفيزية منذ أن بدأنا في التخاطب وفهم مفردات اللغة وربما قبل هذا أيضا فالطفل الصغير يسمع كلمة “كخ” للنهر عن فعل أمر ما ويسمع كلمة “برافو” مع ابتسامة عريضة تستخدم للتشجيع، وتستمر ملحمة النصح والتحفيز بالتوجيه المباشر وأحيانا بالضرب الخفيف أو المبرح ثم ينتقل الأهل في مرحلة لاحقة إلى استخدام الأمثال الشعبية مثل “اللى ياكل على ضرسه ينفع نفسه” وصولا إلى التحفيز السلبي بأمثال من عينة “أدي دقني لو فلحت”.

يسير مع هذا الخط أو يليه قليلا انتشار الكثير من الفيديوهات التحفيزية وكذا أيضا العديد من كتب التنمية البشرية التي تتحدث عن التفكير الإيجابي والتخطيط وإدارة الوقت وترتيب الأولويات وغيرها ولكن وبالرغم من انتشار كل تلك الوسائل والوسائط إلا أن النتيجة النهائية لا تكون دائما -أو في الغالب-بالقدر المطلوب ولا تحقق النتيجة المرجوة.

فالجميع يعرف أن “التدخين ضار جدا بالصحة” ومع ذلك لا يتوقف الشباب عن تلك العادة، كما أن الجميع يعرف أن “من جد وجد و من زرع حصد” ولكن هذا لا يثنيهم عن اللهو والتسلية تاركين دروسهم ومهملين لهان بل وصل الأمر بالبعض إلى النفور وربما السخرية من تلك النصائح وصولا إلى اختلاق نصائح عكسية مثل “ذاكر تنجح.. غش تجيب مجموع”.

والحقيقة أن التحفيز وإن كان أمرا محمودا وهاما إلا أن نتيجته قليلة، ربما يشعر الكثير من الشباب بالندم جراء عدم الاستماع إلى تلك النصائح وتنفيذها بعد فوات الأوان وهو ما يجعلهم أمام خيارات منها العودة إلى اتباع النصيحة، أو اليأس التام، أو الاستمرار كان شيئا لم يكن وذلك بعد زوال فترة الحزن والندم الأولى.

و في جميع الأحوال فإن التحفيز الأكثر صعوبة والأكثر أهمية هو التحفيز في بيئة العمل فنحن كثيرا ما نستمع إلى شكاوى متبادلة بين الموظفين والمدراء والتي نحاول فيها أن نتسم بالموضوعية لكى نقرر من المخطئ، هل المدير أم المرؤوس، و في بعض الأحيان نجد أن الخطأ متبادل أو مشترك فالأمور في أحيان كثيرة لا يمكن فصلها إلى اللونين الأبيض والأسود مثلما نحاول دائما أو هكذا نعتقد.

في هذا السياق صدر كتاب في أكتوبر من العام 2014 بعنوان “لماذا لا ينجح تحفيز الناس” او “Why Motivating People Doesn’t Work … and What Does للكاتبة الأمريكية سوزان فولر والتي تؤمن بأن التحفيز هو لب وقلب أى يعمل قوم به البشر أو يرغبون في القيام به.

الكتاب يحتوي على مجموعة من النصائح التي يعتقد بأنها قادرة على جعل التحفيز في العمل فعالا ومنها:

1. إعادة التفكير في التحفيز: يتحدى الكتاب النهج التقليدي للمحفزات الخارجية مثل المكافآت والعقوبات، تري فاولر أن الدافع الحقيقي يأتي من الداخل وأن الأساليب التقليدية غالبًا ما تأتي بنتائج عكسية، مما يخلق الاعتماد والمقاومة.

2. قوة الاستقلالية: لدى البشر حاجة عميقة للاستقلالية، عندما نشعر بالتحكم والإدارة الدقيقة، تنخفض دوافعنا، وبدلاً من ذلك، يجب على القادة التركيز على تمكين الأفراد من تولي ملكية عملهم واتخاذ القرارات.

3. تنمية الارتباط: نحن مخلوقات اجتماعية، والعلاقات الهادفة ضرورية للتحفيز، يجب على القادة تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع من خلال بناء الثقة وتشجيع التعاون والاحتفال بالنجاحات المشتركة.

4. إتقان الكفاءة: الشعور بالكفاءة والقدرة أمر ضروري للتحفيز. يجب على القادة توفير فرص للنمو والتطوير وإتقان المهارات، إن الاعتراف وتقدير نقاط القوة والمساهمات الفردية يزيد من تحفيز الدافع.

5. نموذج التحفيز الأمثل: تقترح فاولر “نموذج التحفيز الأمثل”، الذي يؤكد على مواءمة العمل مع هذه الاحتياجات الإنسانية الأساسية الثلاثة: الاستقلالية، والارتباط، والكفاءة، عندما يتم تلبية هذه الاحتياجات، يزدهر التحفيز الداخلي، مما يؤدي إلى قدر أكبر من المشاركة والإنتاجية والرفاهية.

6. ما بعد القيادة: مبادئ الكتاب ليست ذات صلة بالقادة فحسب، بل أيضًا بأي شخص يريد تنمية الحافز الجوهري في نفسه وفي الآخرين، يمكن للأفراد تطبيق هذه المفاهيم على عملهم وعلاقاتهم ورحلات نموهم الشخصي.

7. الانتقال من التحكم إلى التدريب: يجب على القادة الانتقال من التحكم إلى التدريب، يتضمن ذلك توجيه الأفراد ودعمهم لاكتشاف دوافعهم الخاصة والعثور على نقاط القوة لديهم وتحديد أهدافهم الخاصة.

8. اليقظة الذهنية والوعي الذاتي: يؤكد الكتاب على أهمية اليقظة الذهنية والوعي الذاتي لكل من القادة والأفراد، ومن خلال فهم احتياجاتنا ودوافعنا، يمكننا خلق بيئات واستراتيجيات تعزز الدافع الأمثل.

9. التعلم المستمر والتكيف: إن عالم العمل يتغير باستمرار، وكذلك يجب أن يتغير نهجنا في التحفيز، يجب أن يكون القادة والأفراد منفتحين على تعلم أساليب جديدة، وتجربة أساليب مختلفة، والتكيف مع الظروف المتغيرة.

10. بناء ثقافة التحفيز: إن خلق ثقافة التحفيز الأمثل هي عملية مستمرة، يجب على القادة ضبط الأسلوب من خلال ممارسة المبادئ بأنفسهم وتشجيع التواصل المفتوح والتعليقات والتعاون لتحسين بيئة العمل بشكل مستمر.

الكتاب وإن لم يمكن اعتباره قد قدم جديدا أو أضاف ما لا نعرفه إلا أنه بصورة عامة ينتقد أساليب التحفيز التقليدية ويبحث و يركز على مجموعة أخرى من النقاط التي يعتبرها هي الأهم والأكثر فاعلية في تحقيق التحفيز المطلوب ومنها الروابط الاجتماعية والإحساس بقدر من الاستقلالية واليقظة والتعلم المستمر وصولا إلى بناء ثقافة التحفيز لتكون جزءًا من أسلوب الحياة والعمل وليست مجرد أدوات يتم استخدامها عندما تسوء الأمور.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى