كاتب ومقال

دار في خاطري| رحلة إلى الماضي

“رامز!! أمامك ساعة واحدة لمذاكرة درس التاريخ الذي شرحته المعلمة اليوم، وبعدها سوف امتحنك فيه” تلك هي الكلمات التي قالتها الأم بحزم لرامز الذي لم يحصل على درجة عالية في إمتحان مادة التاريخ لهذا الشهر.

جلس رامز ذو الأربعة عشر ربيعا على مكتبه وأمسك كتاب مادة التاريخ وراح يقلب صفحاته بضجر، ومن ثم راح يقرأ الدرس ويتلعثم بأسماء ملوك مصر القديمة ومدنها، وحينا يشرد ويفكر في لعبته المفضلة على هاتفه الذكي، وكيف سيخسر جائزته اليومية إذا لم يستقبلها، ويفكر كيف يقنع أمه أن تعيد إليه هاتفه، ويرتب كلمات ووعد بأنه لن يهمل مادة التاريخ، فيتذكر الدرس، فيعود إلى المذاكرة من جديد، وأحيانا يغفو فيسقط الكتاب من يده على المكتب، فيستفيق لبعض الوقت، وهكذا يعيد الكرّة وهو يشعر بأن الوقت لا يمر.

وفي إحدى غفواته وعندما سقط الكتاب من يده، سقط هذه المرة على الأرض، فلم يحاول رامز التقاطه فتركه واستسلم للنوم.

فجأة شعر بيد قوية تهز كتفه، ففتح عيناه على الفور، فرأى رجلا يقف أمامه مرتديا الزي المصري القديم، وعلى رأسه التاج المزدوج، وبيده مفتاح الحياة، قال له رامز متعجبا: من أنت؟! فقال: “جحوتي مس” فقال رامز: لا أفهم، ثم دقق النظر في وجهه فإذا به يشبهه بدرجة كبيرة، فقد كان له نفس لون بشرته القمحي، وعيناه البنيتان وشعره الأسود، وأدرك رامز من ملامحه أنه شاب في نفس عمره، فقال له ثانية: من أنت؟! وكم تبلغ من العمر؟! فقال له: “جحوتي مس” أو كما تقولون “تحتمس” هذا هو اسمي، أما عمري فهو نفس عمرك، ما رأيك أن نصبح صديقين؟

فكر رامز للحظات وقال لنفسه: أنا ليس لدي أصدقاء، فهل من الممكن أن يصبح تحتمس صديقا لي؟ وعلى الفور قال له: موافق، ولكن أولا أخبرني من أين أتيت؟! لقد جئت من الماضي عبر ممر الزمن، وأحضرت معي هذا الجهاز الذي يترجم اللغات في لمح البصر، حتى يستطيع كل منا فهم الآخر، فقال رامز: أنت لا تتحدث لغتي..؟! أجل! أجل! أنت تتحدث اللغة المصرية القديمة، أذكر أن معلمة التاريخ قالت ذلك، فقال تحتمس: التاريخ، لماذا تكره التاريخ؟! فقال رامز: لأنني لا أجيد الحفظ، ولا استطيع قراءة تلك الأسماء المعقدة، قال تحتمس: إذا هيا لنذهب في رحلة وبعدها نعود ونتحدث عن التاريخ.

فرح رامز فرحا كبيرا لأنه لم يذهب في رحلة منذ فترة طويلة، فلم يسأل إلى أين هما ذاهبان، ولكن سرعان ما علم بالأمر حين رأى نفسه وسط صحراء جرداء وأناس علم أنهم مصريون قدماء، فنظر إلى تحتمس وقال: هل سافرنا عبر الزمن؟! فقال تحتمس: أجل! نحن الآن نشاهد كيف يبنى الهرم، لقد خطرت لي فكرة، ما رأيك أن تشارك في بناء الهرم، قال رامز: ماذا؟!! قال تحتمس: هرم جدك خوفو، هيا، ولكن لابد أن ترتدي نفس الثياب.

وفي لمح البصر ودون أن يعطى أي فرصة للموافقة أو الرفض، وجد رامز نفسه بين العمال يشبههم في كل شيء، ويشاركهم في أعمال البناء، ولاحظ رامز شيئا عجيبا، فقد وجد نفسه يتحدث اللغة المصرية القديمة ويفهمها جيدا حين يوجه إليه أحدهم الكلام.

وفي وقت الراحة قال رامز لتحتمس: لقد تعبت من رفع الأحجار، وتسوية الرمال، وسكب الماء، دعني أعود إلى البيت، فقال تحتمس: حسنا، سنذهب إلى مكان آخر.

وفي لمح البصر وجد رامز نفسه بين أناس كثيرين، يقومون بتدريبات أشبه بتلك التدريبات العسكرية، حاول يتحدث إلى تحتمس ليفهم ما الأمر، ولكنه أشار إليه بأن يلزم الصمت، وفجأة وجد نفسه على عجلة حربية، يحمل قوسه وسهامه، وانخرط هو ورفاقه في حرب ضد الأعداء الذي علم أنهم الهكسوس حين علم بأن قائدهم هو أحمس، انتهت الحرب وتحقق النصر لجيش أحمس، فشعر رامز بسعادة كبيرة لأنه شارك في ذلك النصر الذي خلده التاريخ، فشكر تحتمس وقال له: إلى أين نحن ذاهبان الآن؟! فقال تحتمس: يبدو أنك سوف تصبح ضابطا ماهرا، فهيا استعد لتشارك في معركة قادش.

نظر رامز حوله وقد تبدل المكان، ونظر أمامه فرأى رمسيس الثاني بهيبته، فعرفه على الفور، ومن ثم تم اختياره ليكون في صفوف الضباط المقربين من الملك، وخاض المعركة وبعد النصر أثنى عليه رمسيس الثاني، ففرح فرحا كبيرا.

شعر تحتمس بأنه نجح في مهمته، فقال لرامز: ما رأيك في زيارة معابد أجدادك، وحضور الإحتفالات، ومشاركتنا فرحة الأعياد؟! فرحب رامز بالفكرة، وقضى أوقاتا ممتعة بصحبة صديقه المخلص.

أقبل الليل فقال تحتمس: والآن لابد أن تعود إلى بيتك، ولكن أخبرني أولا هل أحببت حياتنا؟ فقال رامز: أجل! وتعلمت الكثير مما شاركت فيه، فقال تحتمس: هكذا هو التاريخ، وجد لنتعلم منه، ونشارك بما تعلمناه، ليس بالحفظ ولكن بالإدراك والفهم، وبالمناسبة لقد جعلتك تتكلم لغتنا حتى لا يصعب عليك نطق أسمائنا، والآن هيا عد إلى البيت وسنبقى أصدقاء إلى الأبد، ضحك رامز وشكره جزيل الشكر وطلب منه أن يزوره ثانية.

استيقظ رامز على صوت أمه تقول: هل أنت نائم؟! أرني ماذا ذاكرت، فنظر إليها وتبسم وقال: لا تقلقي يا أمي لقد فهمت التاريخ ولن أقصر فيه بعد اليوم، والفضل يعود إلى صديقي تحتمس.

بقلم:
ريم السباعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى