دار في خاطري| لماذا تقرأ؟!
القراءة غذاء العقل، وبها تتسع مداركه، ويزداد وعيه وتقديره للأمور، وكفانا أن أول كلمة نزلت من القرآن الكريم هي “اقرأ” لتؤكد أن ديننا الحنيف يحث على القراءة والتعلم والتدبر، لما في القراءة من فضائل جمة تأتي على القارئ بنتائج مثمرة.
ولكن هل كل قارئ باستطاعته تحقيق النفع لنفسه من خلال ما يقرأ؟! أم هذا يترتب على أنواع وأنماط الكتب التي يقرأها؟! يرى البعض أن أنواع الكتب وما تحتويه من معلومات هي التي تحقق النفع للقارئ، فمن خلالها تزداد معرفته، وذلك ما تجود به الكتب العلمية، والتاريخية، والفلسفية، وغيرها من تلك الأنواع التي تحوي كَمّا لا بأس به من المعلومات والحقائق العلمية، أما بالنسبة للروايات فهم يعتقدون أنها مجرد حكايات، أو تجارب أشخاص يعرفهم كاتب الرواية، أو ربما كانت تجارب شخصية لهؤلاء الكتاب ليس لها أي فائدة، ولا تأتي بأي نفع، وهذا يجعلها مجرد حبر ينساب فوق الأوراق فأصبحت غير صالحة للاستخدام فتتكدس فوق الرفوف حتى يطمس التراب ملامحها، أو تستخدم أوراقها في استخدامات أخرى غير القراءة ربما كانت هي الأفيد.
أما البعض الآخر فيرى أن الروايات مفيدة للقارئ بشرط التجديد والتنوع في الأفكار، وكلما كانت الرواية مبتكرة كلما زادت أهميتها وزادت شهرتها.
وفي رأيي فإنني أرى أن الإستفادة من القراءة هي ترجع إلى القارئ نفسه، فهو من باستطاعته تحقيق الاستفادة مما يقرأ، وأن لكل نوع من أنواع الكتب فائدته، فالقارئ الواعي الذي يقرأ بعمق باستطاعته الإستفادة من جميع الكتب، سواء كانت تلك الكتب علمية أو تاريخية أو روايات أو دواوين شعرية، وفي حين صادفه كتاب سيء فكفاه أنه علم مواطن السوء فيه، وبذلك يكون حقق لنفسه الإستفادة من ذلك الكتاب السيء، والفضل في ذلك يعود إلى قراءاته المتعمقة التي جعلته يدرك الجيد من السيء.
ولكن ماذا عن القراءة السطحية التي لا تؤتى ثمارها؟! للأسف الشديد هناك بعض القراء ممن يقرأون أعدادا لا بأس بها من الكتب يقرأونها قراءة سطحية، فتمر عليهم المعلومات والأفكار مرور الكرام، فلا يلفت انتباههم مغزى، فهم لا يتعمقون فيما وراء الكلمات والعبارات، بل لا يعطون الكلمة معنى أبعد من معناها الحرفي وإن لم يكن ذلك المعنى الحرفي في موضعه.
إن هؤلاء القراء السطحيين يشبهون في قراءتهم أسطورة سيزيف الأغريقية، فقد حكمت الآلهة على سيزيف بأن يصعد جبل شديد الإنحدار في تارتاروس ويدفع أمامه صخرة، وعندما يصعد بها إلى قمة الجبل تسقط إلى أسفل، فيعيد سيزيف الكرة ويدفعها من جديد، وبذلك يقوم بعمل مضني دون أي فائدة، وهكذا هؤلاء يقرأون دون تحصيل أي فائدة.
لذا فلابد للقارئ أن يسأل نفسه: لماذا اقرأ؟ وعندما يجيب على هذا السؤال بإجابة مرضية لا تحمل في طياتها أي شكل من أشكال التباهي أو الثقافة المزيفة، حينئذ سوف يحقق الفائدة مما يقرأ.