رؤى التحول الاقتصادي والطاقة| دول الثماني النامية.. رؤية جديدة لمستقبل الاقتصاد العالمي
تشهد دول الثماني النامية (D-8) حراكًا استثنائيًا نحو تعزيز التكامل الاقتصادي واستثمار الموارد البشرية والطبيعية بما يحقق نقلة نوعية في النظام الاقتصادي العالمي. هذه الدول، التي تضم مصر، تركيا، إيران، إندونيسيا، ماليزيا، بنغلاديش، باكستان، ونيجيريا، باتت تدرك أهمية تفعيل أطر التعاون المشترك لدعم اقتصاداتها الناشئة وتقليل الاعتماد على الأسواق الكبرى.
القمة الحادية عشرة التي عُقدت تحت شعار “الاستثمار في الشباب ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة: نحو تشكيل اقتصاد الغد”، قدّمت نموذجًا مختلفًا في طرح القضايا وبحث الحلول. لقد أبرزت القمة دور الشباب كقوة دافعة للتنمية، خاصة مع أن معظم سكان هذه الدول من فئة الشباب، مما يمنحها فرصًا ذهبية لتحقيق معدلات نمو متسارعة إذا ما تم الاستثمار الصحيح في التعليم والتكنولوجيا والابتكار.
وتمثل الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة التي تمتلكها هذه الدول فرصة ذهبية للنهوض باقتصاداتها. على سبيل المثال، تُعد إيران ونيجيريا من أبرز الدول في قطاع النفط والغاز، في حين تشتهر إندونيسيا وبنغلاديش بالإنتاج الزراعي. أما تركيا وماليزيا فتتميزان بقطاع صناعي وتقني متقدم. هذا التنوع يعزز إمكانية تحقيق تكامل اقتصادي فعّال بين الأعضاء، بما يدعم تحويل المجموعة إلى قوة اقتصادية قادرة على المنافسة عالميًا.
ومن أبرز المبادرات التي طرحتها القمة تعزيز التجارة البينية من خلال استكمال اتفاقية التجارة التفضيلية، مما يفتح آفاقًا جديدة للتبادل التجاري بين الدول الأعضاء بعيدًا عن قيود الأسواق الكبرى. كذلك، أطلقت القمة شبكات للتعاون في مجالات التدريب الدبلوماسي والبحث الاقتصادي، بالإضافة إلى مبادرة لإنشاء صندوق تمويل مشروعات صغيرة ومتوسطة يركز على معايير الاستدامة.
على المستوى الإقليمي، حملت القمة أبعادًا سياسية وإنسانية بارزة، حيث ناقشت القضايا الملحة في فلسطين ولبنان وسوريا، مؤكدة أهمية التضامن بين الأعضاء لمواجهة التحديات المشتركة. كان الموقف موحدًا في دعم القضية الفلسطينية والتحذير من التصعيد في المنطقة، مما يعكس التزام المجموعة بمبادئ العدالة والسلام.
أما اختيار العاصمة الإدارية الجديدة في مصر لاستضافة القمة، فقد جاء كرسالة رمزية لقدرة الدول النامية على تحقيق إنجازات تنموية تُلهم العالم. وبفضل موقع مصر الاستراتيجي وعضويتها في تجمعات إقليمية ودولية عدة، تمتلك القاهرة دورًا محوريًا في تعزيز التعاون بين دول المجموعة، مما يجعلها قوة دفع رئيسية لتحقيق أهداف القمة.
ختام القمة لم يكن فقط تتويجًا للمناقشات والمبادرات، بل كان نقطة انطلاق لرؤية استراتيجية تعيد تعريف مفهوم التعاون بين الدول النامية. إدراك القادة لأهمية تعزيز الابتكار وتمكين المرأة والشباب والاستثمار في التكنولوجيا والاقتصاد الأخضر يفتح الباب لتحول هذه المجموعة إلى لاعب رئيسي في صنع القرار العالمي.
في عالم مليء بالتحديات، تُثبت دول الثماني النامية أن التعاون والشراكة هما الطريق الوحيد لتحقيق التنمية المستدامة. وإذا استمرت هذه الدول في العمل وفق رؤية موحدة وأهداف طموحة، فإنها بلا شك ستنجح في تشكيل اقتصاد الغد.