كلمتها

روايات تناقش العنف ضد المرأة.. لماذا يدفعها للانتحار والاكتئاب؟

الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، في إحدى شوارع المدينة تردد صوت صراخ أحدهم وسط هدوء وظلام تام يجتاح الطرقات، في المبنى رقم 43 والطابق الخامس بالتحديد، يشهد سكان الشارع كل ليلة صراخ امرأة يدمي القلوب، توسلات طويلة ترجوه ألا يقترب منها، أن يتركها وشأنها، تعتذر مرارًا أملًا في النجاة ولكن دون جدوى.

في ذلك البيت الذي رحلت عنه السعادة والسكينة منذ وقت طويل، وبين قطع زجاج مكسورة تحتاج الأرض، كان يعكس ما يحمله قلبها، فهو ممزق إلى أشلاء من الحزن والألم، جلست ممدة تبكي بحرقة وتنزف دمًا، وعيناها التي لونت بألوان الوجع وعلامات العنف تكسو جسدها، تكاد لا تسيطع الحراك على الإطلاق، بينما طفلها يرقد جانبها يجهل ما يدور لكنه يشعر أنها ليست على ما يرام، حتى يقترب منها يزيل دموعها ويربت على كتفيها، ويحتضنها ذلك الصغير دون وعي لكنه يشعر أنه يبث السكينة داخل قلبها حتى تستطع المقاومة من جديد.

العنف ضد المرأة

تُوورث مشهد العنف ضد المرأة على مدار عقود طويلة، تأذت إناث ورحلت أخريات عن العالم إثر تدهور الحالة الصحية والنفسية، وسيدات لجأن إلى الانتحار هربًا من الواقع الأليم بحثًا عن النجاة، حتى تشرد أطفالًا وكبر آخرون على كره لا يقاوم للرجال حيث حُفر في أذهانهم أن الرجل يعني العنف والقسوة بعيدًا كل البعد عن الأب الحنون مصدر الطمأنينة والسكينة.

حتى ناقشت السنيما والدراما تلك القضية الأزلية، بشتى الطرق واللغات حول العالم، أملًا في محاربة العنف ضد المرأة والتطور الفكري الذي يناشد من أجل تعزيز طريق التواصل والحوار بعيدًا عن العنف، ولما كانت للقراءة من أثرًا بالغ في نفوس القراء، لم تتردد المرأة لحظة فيالبوح عما يحمله قلبها من غضب وألم تجاه أخريات كان العنف هو عنوان لحظات حياتهم التي تحولت إلى جحيم حقيقي، لذا على مدار سنوات طويلة صدرت روايات عدة تناقش قضية العنف ضد المرأة باختلاف منظورها حول العالم حتى التقوا جميعًا تحت مظلة الانهيار والتشتت والأذى النفسي الشديد، الذي ترك ندبة عميقة في قلوبهم لا تمحى أبدًا.

ماذا لو اصطحبتك منصةكلمتنافي رحلة قصيرة نحو روايات ناقشت قضية العنف ضد المرأة، لتتعرف على حجم الكارثة التي تتعرض لها السيدات عن كثب ربما يشعر قلبك بأحدهم رُغم المسافات والبلاد؟

العنف ضد المرأة

اقرأ أيضًا: حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة.. تجوب محافظات مصر

هل قرأت يومًا رواية ناقشت العنف ضد المرأة؟

عُرفت دومًا نوال السعداوي بمناصرتها لحقوق الإنسان ودعمها اللانهائي لكيان المرأة، لهذا لم تتغافل عن مناقشة أهم القضايا الشائكة التي تواجهها المرأة وهي العنف الجسدي والنفسي، الأمر الذي جعلها تصدر رواية مستوحاة من أحداث حقيقة تحمل اسمامرأة عند نقطة الصفرعام 1957 وترجمت إلى 40 لغة.

تدور أحداث الرواية حولفردوسالتي فضلت الموت خلف أسوار السجن باعتباره السبيل الوحيد إلى الخلاص والنجاة، لتعود بحياتها إلى الوراء عند نقطة الصفر من جديد، حيث خاضت بطلة الروايةفردوسرحلة طويلة تتأرجح بين شخصيات مشوهة نفسيًا، مركبة، غير متنزنة في مجتمع ذكوري مريض، الرجل هو المسيطر ولا وجود لكيان الأنثى على الإطلاق، حتى غلف قلبها الوحدة والألم وفقدان الأمان والسكينة والتشتت والانهيار بسببالرجل“.

أمي لم تكن مجرمة، لا يمكن لأية امرأة أن تكون مجرمة، فالإجرام يحتاج إلى الذكورة، أنتم المجرمون بما فيكم الآباء والأعمام والأخوال والأزواج“. نوال السعداوي من رواية امرأة عند نقطة الصفر.

العنف ضد المرأة

أما عن ثاني أهم الروايات التي رصدت قضية العنف ضد المرأة، قدمت الكاتبةمنى محروسروايةجمعية قتل الرجال، التي تروي قصة سيدة سفاحة عادت من الموت، بعدما لقت حتفها على يد رجل مارس عليها كل أشكال العنف، فقررت الانتقام من الرجال جميعًا لتخطط في التخلص منهم وقتلهم في ليلة الزفاف بطرق شديدة القسوة تعكس شعورها تجاههم.

فالرعب من وجهة نظر الكاتبة هي الطريقة الأمثل للتعبير عن العنف، لأن من الطبيعي أن العنف يولد عنفًا أقوى وأقسى، ويشوه روح الإنسان وفطرته حتى يتحول مع شديد الأسف إلى مريض نفسي يحمل آلام وعقد لانهائية.

العنف ضد المرأة

وصوولًا إلى بريطانيا لتشهد إطلاق روايةماريا أو مظالم النساءللكاتبة البريطانيةماري وولستونكرافت، لتغادر عن عالمنا قبل الانتهاء من كتابة تلك الرواية العظيمة، حتى قام زوجها بتكملة ذلك العمل الذي صدر عام 1798 دفاعًا عن حقوق المرأة.

هي رواية هي ذات طابع فلسفي، تدور أحداثها حول امرأة حجزت في مستشفى الأمراض العقلية بسبب زوجها، لتنهار روحها بين يديها دون سبيل للنجاة، كما تناقش الراوية المظالم التي تواجهها المرأة، وتنتقد الكاتبة ما يسمىبالزواجفي النظام الأبوي في بريطانيا العظمى في القرن الثامن عشر، وكذلك النظام القانوني الذي يحميه.

ولكن ماذا إذا اجتمعت العبودية والعنف تحت مظلة واحدة؟

روايةعبدة.. قصتي الحقيقيةللكاتبة ميندي نازر، فهي رواية تنقل واقع قاسي مؤلم تعرضت له الكاتبة في الثانية عشر من عمرها لتنتقل إلى حياة العبيد بعيدًا عن الطفولة السعيدة.

ففي عام 1993 بينما كانت تازر تلهو وتركض كالصغار، استهدفها تجار رقيق عرب برفقة 31 طفلًا آخر، لتسرق من أسرتها وتخوض حياة العبودية المأساوية القاسية بعيدًا عن المدينة والأهل في الخرطوم.

خلال رحلة ميندي العمرية، عانت من عنف جسدي وجنسي قاسي إلى حد الرعب، فبينما كان الأطفال يخلدون إلى النوم على سرير ناعم بعدما يطبع الآباء قبلة حنونة على جبينهم، كانت ميندي تنام في كوخ وتتناول بقايا طعام الأسرة، كما سرقت حقوقها، وأسرت حريتها، وبعد سبع سنوات من الألم والعنف الدائم، أهدتها الأسرة التي عملت لديها إلى أخرى لتغادر إلى لندن، حتى استطاعت الفرار  وأجرت اتصال بأسرتها.

ورُغم نشر ميندي لقصتها، لم تستطع رؤية عائلتها، لكنها تتواصل معهم عبر الهاتف، على أمل لقاء قريب تتلاقى فيه الأرواح من جديد.

العنف ضد المرأة

وصولًا إلى أفريقيا حيث روايةأنا نادية.. زوجة إرهابيللكاتبة بايا قاسمي، ففي إحدى القرى الصغيرة في الجزائر عاشتنادية، التي تزوجت بإحدى الرجال المشاغبين المحليين، الذي أصبح أمير محلي لجماعة مسلحة.

لتبدأ نادية رحلة مؤلمة لأربع سنوات، تعاني من العنف والقسوة، لتصبح إحدى ضحايا العنف الإسلامي في الجزائر، حيث ناقشت الكاتبة قضية العنف وتأثيره هذا على السيدات المحاصرات داخل الوطن والبيت.

بعد تلك الحكايات المروعة المؤلمة، هل توصل العالم إلى احصاءات تعرض المرأة للعنف بمختلف أشكاله؟

اقرأ أيضًا: 10 أفلام ناصرت المرأة وألقت الضوء على قضاياها الشائكة

العنف الجسدي والجنسي ضد المرأة:

تبعًا لاحصاءات منظمة الصحة العالمية الأخيرة، فإن 30% من النساء حول العالم يتعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي على يد الزوج أو آخرين، الأمر الذي يؤدي إلى إصابات جسدية مستديمة وأخرى قد تؤدي إلى وفاة المرأة، بالإضافة إلى الآلام النفسية التي تتعرض لها السيدات إثر العنف بكافة أشكاله.

ولكن هل سألت نفسك يومًا عن الأسباب التي تكمن وراء تطبيق العنف على الشخص الآخر؟

في الحقيقة ربما ترجع بعض الأسباب لحمل صفة العنف، هو التعرض إليه منذ الطفولة سواء جسدي أو جنسي من قبل أحد الآباء أوالغرباء، الأمر الذي يزداد سوءًا كلما كبر المرء حتى يطبق تلك الجريمة على زوجته وأبنائه لأنه بالفعل يعاني من اضطرابات شخصية حادة.

العنف ضد المرأة

بالإضافة إلى التربية الأسرية الخاطئة التي ترفع من شأن الرجل وتقلل من قدر المرأة، الأمر الذي يجعله غير قادر على احترام أية امرأة في حياته سواء زوجته أو شقيقته أو زميتله في العمل، الأمر الذي يجعل المساواة بين الجنسين منعدمة إلى حد كبير في المجتمعات، وهو الذي يؤدي بدوره إلى العنف الجسدي واللفظي والجنسي من الأقارب والغرباء بسبب الشعور باستباحة المرأة دومًا وتحت أي ظرف.

كما يعد تدني مستويات التعليم إحدى أسباب ممارسة العنف بشتى أشكاله، بالإضافة إلى تعاطي الكحول وصعوبات التواصل بين الزوجين وانعدام لغة الحوار الذي بدوره يؤدي إلى تفاقم المشكلات بينهما.

نظرًا لخطورة تطبيق العنف على المرأة قد يجعلها تواجه مشكلات صحية لا حصر، الأمر الذي قد يؤدي إلى القتل أو الانتحار أحيانًا، فحسب احصاءات منظمة الصحة العالمية فإن حوالي 42% من النساء اللواتي يتعرضن لعنف الزوج، تعرضهن لإصابات بالغة.

وأخريات تعرضن لحالات حمل رغمًا عنهن، وحالات إجهاض متعمدة، ومشاكل صحية نسائية أخرى، بالإضافة إلى الإصابة بعدوى مرضية خطيرة مثل الإيدز، بالإضافة إلى آلام الظهر والبطن وآلام الحوض المزمنة، واضطرابات المعدة والأمعاء ومحدودية الحركة.

أما من الناحية النفسية، فتربع الاكتئاب على عرش القائمة وصولًا إلى تزايد معدلات الانتحار، بالإضافة إلى الإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة وأخرى مسببة للقلق وصعوبات في النوم، وأحيانًا اضطرابات شديدة في النظام الغذائي.

لتصبح بذلك قضية العنف ضد المرأة، واحدة من القضايا الأزلية القاسية التي تذهب ضحيتها ملايين السيدات كل عام، دون وعي بمدىخطورة تلك الظاهرة على الأسرة والأطفال، الأمر الذي يجعل تلك الممارسات المروعة تتوارث من جيل لآخر دون الحد من تلك الجريمة أبدًا،ولكن هل ستستمر هكذا أم أن هناك معجزة على وشك الحدوث؟

اقرأ أيضًا: كيف تحمي نفسك من التحرش؟.. إليكِ أبرز 8 طرق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى