“شارع الصليبة”.. الشاهد الأول على عصور مصر المختلفة
نادرا ما يحظى شارع بكل هذا الاهتمام الذي يمتاز به “شارع الصليبة” الذي يعتبر من أقدم شوارع القاهرة الإسلامية والرئيسية في العصور الوسطى، كما يعد من أعرق شوارع مصر، فيحمل كل أنماط الآثار الإسلامية تقريبا مثل الجامع والمدرسة، والكتاب، والسبيل والخانقاه، ويطلق عليه “المتحف المفتوح”، منصه كلمتنا تصحبكم في رحلة للتعرف على تاريخ ذلك الشارع والتعرف على العصور التي مرت عليه.
تاريخ “شارع الصليبة”:
بالطبع لا يعرف الكثير تاريخ ذلك الشارع وكيف تحول إلى شارع أثري عبر الزمن، ولكن قبل 200 عام كان الشارع وما حوله كان المقر الرئيسي لكبار الدولة منذ العصر “الناصر محمد بن المنصور قلاوون” في سلطنته الثالثة في الفترة من 1312 إلى 1342 م، وحتى نهاية عصر المماليك الشاركسة عام 1517.
كان حي الصليبة قديما مسرحا لكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية في العصر المملوكي، فكان شاهدا لمواكبة السلاطين وإقامة الاحتفالات، بالإضافة إلى مؤامرات المماليك ضد بعضهم البعض، فظل يشهد على كثير من الأحداث التاريخية، حتى تنفيذ عقوبة “التجريس” على من يرتكب مخالفة تستحق، سواء من الأمراء أو المماليك أو حتى العامة.
الأهمية الاستراتيجية:
اكتسب شارع الصليبة الأهمية الاستراتيجية كبيرة، نظرا لموقعه بين عواصم مصر الإسلامية عبر العصور، ومع انتقال مقر الحكم إلى القلعة في العصر الأيوبي، أقبل الأمراء على السكن فيه، وقاموا بتشييد منشآتهم العسكرية فيه، بالإضافة إلى مصانع الأسلحة المنتشرة حول الصليبة فضلا عن قلعة الجبل.
استمر هذا التوجه حتى عصر محمد علي، حيث قامت الأسرة العلوية بإنشاء ورشة للأسلحة والبنادق في الحوض المرصود عام 1813، وأنشأت أيضا المدرسة الحربية عام 1855.
بسبب أهمية موقعه، أنشأ العديد من رجال الدولة في عصر محمد علي وأبنائه دورا ومنازل، مثل دار الأمير عبد اللطيف باشا أمام مدرسة قاني باي المحمدي، كما اختصت الدولة العلوية الشارع بإنشاء ثلاث صيدليات، وكان إجمالي عدد الصيدليات وقتها 44 صيدلية، ويعتبر الصيدليات في ذلك الوقت نقلة نوعية في صناعة الدواء، حيث كانت محلات العطارة هي المصدر الرئيسي للعلاج بالأعشاب.
اقرأ أيضًا: “شبرا بلولة”.. كيف نجحت قرية مصرية في تصدير العطور إلى فرنسا؟
موقع “شارع الصليبة”:
يعتبر أهم ما يميز شارع الصليبة هو ضمه 114 أثرا إسلاميا شاهدا على روائع العصر المملوكي في مصر، حيث يمتد الشارع من ميدان القلعة حتى السيدة زينب ويتقاطع مع شارع الركيبة والسيوفية، ما يجعله على شكل صليبة، إضافة إلى ذلك يضم طريق قايتباي، ويعد أول طريق مستقل في الآثار الإسلامية، كما يوجد جامع قايتباي المحمدي، إضافة إلى طريق الأمير عبدالله والذي أنشيء عام 1917 وفوقه كتاب لتعليم الأطفال.
كما يوجد به مسجد شيخون لأحد أمراء الناصر قلاوون وهو الأمير شيخون العمري الناصري، فكان الشارع به زحما تاريخيا حيث كان يسكن به الكثير من الأمراء والأميرات.
كما يحتوي شارع الصليبة على شارع “أم عباس” ويعد ذي قيمة كبيرة حيث أنشأته زوجة “أحمد باشا طوسون” ووالده عباس حلمي، في عام 1867 ميلادية لخدمة المارة وسقايتهم، كما يضم الشارع أشهر آثار هو مسجد أحمد بن طولون والذي أنشيء في عام 263 م، إضافة إلى ذلك يضم مدرسة الأمير صرغتمش الناصري أحد ملوك الناصر بن قلاوون، ويضم أيضا مسجد لجين حسين الدين وشارع إبراهيم بيك المانسترلي حتى يصل إلى ميدان السيدة زينب.
يعد شارع متحفا تاريخيا مفتوحا يروي كل ما حدث عبر كل عصر وبقصص مختلقة، ويعتبر مسرح شاهدا على كل الأحداث التاريخية التي حدثت، لذلك يكتسب أهمية كبيرة في القاهرة، إضافة إلى ذلك موقعه الاستراتيجي الممتاز الذي يميزه عن غيره.
اقرأ أيضًا: “كهوف تاسيلي” الحضارة التي تمكنت من الوصول إلى الفضاء