كلمة ورد غطاها| وبرغم الريح

إنه غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 المتهم الرئيسي فيما نتعرض له من تغيرات مناخية غير مسبوقة، حيث يشكل حوالي 74% من الانبعاثات الضارة، يليه غاز الميثان CH4 ثم أكسيد النيتروجين N2O. ولكن يتم اختصار أو تسمية الأمر وإيعازه إلى ثاني أكسيد الكربون، والذي يأتي أغلبه – 94% منه – نتيجة احتراق الوقود الطبيعي أو الأحفوري. وتساهم قطاعات خمس في تلك الأزمة، وهم قطاعات النقل والكهرباء والصناعة والمنازل والزراعة بنسب متفاوتة، وهذه النسب تختلف من دولة لأخرى حسب نسب تركيز الاقتصاد فيها ودرجة اعتماده على تلك القطاعات.
وبدون الدخول في تفاصيل مرتبطة بالأمر من حيث الخطورة والتأثير والجهود المبذولة والمستهدفات الموضوعة والمؤتمرات المنعقدة، إلا أن الأمر جد خطير، له تأثيرات في شكل الحياة على وجه الأرض، وربما يكون هذا الأمر هو أحد الأمور القليلة التي لا يمكن فيها عزل الشمال عن الجنوب أو الشرق عن الغرب، فالتأثير متبادل ومنتقل بين البلدان والمناطق، ولا يمكن عزله أو تحجيمه.
يكفي أن نشير إلى أن كمية الانبعاثات قد ازدادت بنسبة 51% من عام 1990 وحتى عام 2021، والحل هو التوقف فوراً عن كل الأنشطة المساهمة في هذا، وهو حل غير واقعي لأنه ببساطة يعني أن تتوقف الصناعة والزراعة ووسائل النقل وتوليد الكهرباء وخدمات المنازل من إنارة وتدفئة وتبريد… إلخ. ولذلك، فإن الحلول النسبية تعتمد على إيجاد بدائل لهذا الوقود الأحفوري، وهي ما يطلق عليها بدائل الطاقة النظيفة كطاقة الرياح والشمس، وهي بدائل مناسبة إلى حد كبير مع الوضع في الاعتبار المحددات المرتبطة باختلاف البيئة المناسبة ومحدودية التخزين وارتفاع تكلفته. بالإضافة إلى هذا، فربما تكون الطاقة النووية هي البديل الثاني أو البديل المشارك لتقليل الإشكالية والحد من تفاقمها، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة على الجميع.
ولا أعتقد أن الإحساس بالتغيرات المناخية يحتاج إلى المزيد من الشرح والإيضاح للإنسان العادي غير المتخصص في مجالات البيئة والمناخ والطاقة، فالجميع يرى ويشعر ويتأثر بدرجات الحرارة المرتفعة والتداخل بين فصول السنة الأربعة وتقلص مساحات فصول منها أمام فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم كله. فالمناخ في مصر لم يعد كما كان، وحتى أكثر البلدان برودة تحولت إلى الحرارة الزائدة، وهذا خلال فترة زمنية قصيرة كما أشرت من قبل. ولذلك، فإن الاستمرار في نفس الاتجاه لا يجب أن يستمر.
الجهود كثيرة والوعي يزداد والإحساس البشري بالمشكلة أيضاً، وربما تكون هذه هي القضية العالمية الأولى التي يشترك فيها كل سكان الأرض، من الأفراد والمؤسسات والحكومات وغيرها، والتي أراها تحتاج إلى الاهتمام المستمر وإلى التضافر والتعاون ومن قبله الإيمان والحب. فقارئة الفنجان لدى الشاعر الكبير نزار قباني أوجزت القضية حين قالت: “مقدورك أن تبقى مسجوناً بين الماء وبين النار… وبرغم الريح… وبرغم الجو الماطر والأعصار… الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار”.