كلام رجالة

في ذكرى وفاته.. تعرف على دوستويفسكي الروائي ذو الصراعات النفسية الحادة

من يقرأ روايات دوستويفسكي لا يمكن أن يأخذ جانب شخصية واحدة طوال الرواية، لأنه يقدم شخصياته من جوانب مختلفة، إذ يجعلنا نتفهم الدوافع الإنسانية لكل الأفعال حتى التي لا نرضى عنها، تماما كما تقول شخصية الكاهن “زوسيما” في روايته الأشهر “الإخوة كرامازوف” إن السلسلة الإنسانية شديدة التداخل، حتى أن كل فعل بشري يستحيل تحميله لشخص واحد بشكل منفرد.

وروايات دوستويفسكي مأهولة بشخصيات مليئة بالقلق والاضطرابات، والمحطمة عاطفيا، وتعد شخصيات مثيرة ومحفزة على البحث، لذلك نجد أن رواياته كلها تحولت إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية وإذاعية ومسرحيات، لأنه يرسم الشخصية بشكل دقيق بحيث يتمنى القارئ أن يجدها تتحرك أمامه بالفعل، كما أن رواياته تذخر بطبقات متعددة من المعاني والتأويلات، إذ تحتمل الرواية الواحدة أكثر من قراءة وأكثر من عرض لتتجلى بالكامل.

ومع ذكرى وفاة دستويسفكي، في التاسع من فبراير، تقدم لك منصة “كلمتنا” أهم أعماله الأدبية التي تناولتها السينما والدراما على مستوى العالم.

كان فيودور دوستويفسكي فيلسوفًا وروائيًا روسيًا، جسَّدت أعماله الصراع النفسي الذي عانى منه المجتمع الروسي خلال حُقبةٍ مضطربة سياسيًا واجتماعيًا في القرن التاسع عشر، وقد تم تصنيفه من قبل عُلماء النفس كأحد أكثر الكتاب تأثيرًا في عالم الأدب؛ لِمَا تميَّزت به أعماله من قاسية وجدية.

بدأ تعرفه على الأدب في سن مبكرة، ونشر أول رواية له عند بلوغه الخامسة والعشرين من عُمره، كان شابا ذكيا، نبغ في دراسته الأكاديمية، وتخرج الثالث على دفعته من كلية الهندسة.

الجريمة والعقاب:

بعد سنوات من بقائه في المنفى السيبيري القاسي وكانت يداه وقدماه مقيدتين بالأصفاد؛ خرج دوستويفسكي للحياة من جديد وقرر الكتابة، وتعد رواية “الجريمة والعقاب” روايته الثانية بعد خروجه من المنفى، ومن أعظم أعماله حتى اليوم.

قدمت الرواية في أكثر من فيلم حول العالم، حتى أنه قدم لأول مرة في حقبة السينما الصامتة عام 1923، كما قدم في فرنسا عام 1935، وقدم في الولايات المتحدة في هوليود بميزانية منخفضة إلى حد ما عام 1959، بالإضافة إلى إعادة تقديمه في المكسيك في العصر الذهبي للسينما هناك عام 1951، رغم تغيير مكان القصة ونقلها إلى مكسيكو سيتي، وقدمت الرواية أيضا برؤية حديثة عام 2002 باللغة الإنجليزية لكن في أماكن التصوير الأصلية بروسيا.

كما قدمت الرواية أيضا في فيلمين مصريين؛ يحمل الأول عنوان الرواية نفسه، وقدم عام 1957 بمعالجة واقعية مصرية للسيناريست محمد عثمان والمخرج إبراهيم عمارة.

وقدمت الرواية برؤية أخرى عام 1977 بعنوان “سونيا والمجنون”، بطولة نور الشريف ونجلاء فتحي وإخراج حسام الدين مصطفى.

تدور الأحداث حول روديون راسكولينكوف، وهو طالب سابق في سان بطرسبورغ، يعيش في غرفة فقيرة بمبنى سكني متهدم، مريض وفقير لكنه ذكي شديد الاعتداد بنفسه، واستبدت به فكرة واحدة مفادها أن الرجال الأذكياء فوق القانون.

يفكر راسكولينكوف في تنفيذ جريمة قتل، ليتحقق من صحة فكرته، وبالفعل يقوم بقتل العجوز أليونا إيفانوفنا المرابية التي تقرض الطلاب أموالا بفوائد كبيرة.

الصراع الرئيسي في الرواية والحبكة التي اعتمدتها الأفلام المقتبسة منها قائم على معضلة أخلاقية وصراع إنساني يتجاوز روسيا وحدها.

تسبب شعور راسكولينكوف المستمر بالاغتراب عن المجتمع في اكتئابه ووحدته، ليقتل المرأة المرابية ليس من أجل الاستيلاء على أموالها لكن لإسكات الأعاصير الذهنية في عقله، وللتأكد مما إذا كان ارتكاب جريمة لغرض أسمى يبرر الجريمة أو لا.

الإخوة كارامازوف:

أثّرت فترة المعتقل على دوستويفسكي من ناحيتين مهمتين؛ الأولى أنه بدأ يعاني من نوبات الصرع خلال تواجده في المعتقل، ليصور تلك المعاناة من خلال شخصية سميردياكوف الابن غير الشرعي للأب فيودور كرامازوف، والتغير المهم الثاني الذي خضع له دوستويفسكي هو رفضه المواقف الاشتراكية الراديكالية التي تسببت في اعتقاله، وتطوير أفكار محافظة تميل إلى القيم التقليدية.

هي الرواية الأخيرة لدوستويفسكي، وجمع فيها أغلب الأفكار التي شغلته طوال حياته، بما فيها الصراع بين الإيمان والشك، ومعضلة الإرادة الحرة للإنسان والمسؤولية الأخلاقية، كل تلك الأسئلة التي طرحها في روايته التي كتبها عام 1881 ما زالت محل جدل حتى الآن، وربما تلك الأفكار الوجودية والفلسفية هي ما جعلت الرواية واحدة من أكثر الروايات تمثيلا في السينما والمسرح حول العالم.

قدمت الرواية في العديد من الأفلام، منها فيلم “الإخوة كارامازوف” في أميركا عام 1958 من إخراج ريتشارد بروكس، ورغم أن المخرج كان قادرا على تقديم الرواية بشكل جيد خلال 145 دقيقة، فإنه اختار أن يختزل أحداثا مهمة، بالإضافة إلى رغبة هوليود الدائمة في ترسيخ النهايات السعيدة، حتى عندما لا تبدو منطقية.

وقبل ذلك الفيلم، عرضت الرواية في فيلم لأول مرة في روسيا عام 1915 من إخراج فياتشيسلاف تورجانسكي، ثم قدم فيلم آخر في ألمانيا عام 1921 من إخراج كارل فروليتش، ثم مرة أخرى في ألمانيا عام 1931، ثم في نسخة إيطالية عام 1947 من إخراج جياكومو جينتيلومو، وفي نسخة هندية عام 2014.

عرضت الرواية أيضا في فيلم مصري بعنوان “الأخوة الأعداء”، من إخراج حسام الدين مصطفى وسيناريو وحوار رفيق الصبان ونبيهة لطفي، وبطولة يحيى شاهين ونور الشريف وحسين فهمي ومحيي إسماعيل.

رغم تقديم الرواية في أفلام من كل الثقافات، فإنه ليس هناك فيلم واحد منها يمكن عدّه فيلما رئيسيا، حيث لم يصل أي منها إلى جوهر الرواية وعمقها كما قدمها دوستويفسكي مكتوبة في أكثر من 1500 صفحة.

المقامر:

تعد “المقامر” واحدة من روايات دوستويفسكي التي تناسب التمثيل السينمائي، بكل ما تحمله من تراجيديا وتقلبات في الشخصية، وتفاصيل بصرية مثيرة. وجسّد دوستويفسكي من خلال الرواية إدمانه على القمار، بشكل يكاد يجعلها أقرب لسيرة ذاتية مأساوية.

المفارقة الأهم التي تخص تلك الرواية أن دوستويفسكي كتبها في 27 يوما في صفقة مع الناشر، لسداد ديونه المتعلقة بالمقامرة.

ويعرض الفيلم -الذي صور عام 1997- الجانب المتعلق بإدمان القمار، وإغراءاته، وينقل المشاهد مباشرة إلى كازينوهات القمار التي يرتادها الأغنياء والفضوليون واليائسون من الحياة، وسط كل هذا نلقي نظرة على دوافع كل شخصية للمقامرة، ويعد هذا الفيلم من أجمل الأفلام التي نقلت عوالم الرواية بشكل كبير بإخراج المخرج الأميركي كارل ريش، قدم الفيلم أيضا في ألمانيا عام 1938، وقدّم في فرنسا في العام نفسه، كما قدم في الأرجنتين عام 1947، وفي روسيا عام 1974، وأعيد تقديمه بعد ذلك مرة أخرى في ألمانيا عام 2007، وفي الولايات المتحدة عام 2015.

نشأته:

عانى في شبابه من عدة صِرَاعات، فقد تم اعتقاله أثناء مشاركته في نشاطات ثورية وحُكِمَ عليه بالإعدام، ولكنَّه حصل على العفو في آخر لحظة كما كانت صحته متدهورة، وكان يُعاني من نوبات الصرع.

ومع ذلك لم تمنعه مشاكله الصحية من الكتابة، وواصل كتابة روائعه الأدبية مثل: “الجريمة والعقاب” و”الإخوة كارامازوف”، وبرغم نجاح أعماله الأدبية، إلا إنَّه مرَّ بأزمات مادية وصحية متعددة خلال حياته، ولكنَّه تغلَّب على تلك العقبات، وأصبح أحد أشهر الكُتَّاب الروس على مرِّ الزمان.

وُلِدَ دوستويفسكي لعائلةٍ من الطبقة المتوسطة؛ فوالداه، ميخائيل وماريا، كانا مُتدينين وعاملان مُجِدَّان. عَمِلَ والده طبيبًا، وكان صارمًا جدًا مع أبنائه.

اعتادت والدته ومُربيته ألين على رواية العديد من القصص والأساطير له، مما أثرى ذهنه بالخيال الخَصْب. تعرَّف فيما بعد على أعمال مجموعة مُتعددة من أبرز المؤلفين، أمثال كرامزين ، وبوشكين ، وشيلر ، ووالتر سكوت

في عام 1833، التحق بمدرسة داخلية فرنسية، ثُمَّ التحق فيما بعد بمدرسة شيرماك الداخلية لكنه لم يتأقْلَم مع زملائه الأرستقراطيين هناك وفي عام 1838، انضم إلى معهد نيكولايف للهندسة العسكرية لم يُحِب فيودور المعهد على الإطلاق، وشعر فيه بعدم التكافؤ.

كان فيودور يتمتع بروحٍ طيبة، مما جعله يُكافح الفساد ويُساعد المزارعين الفقراء.

في عام 1839، بدأ يُعاني من نوبات الصرع بعد وفاة والده، ومع ذلك واصل دراسته ونجح في اجتياز الاختبارات، وفي 9 فبراير عام 1881 توفي دوستويفسكي بسبب إصابته بنزيفٍ في الرئة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى