أولى ندوات تواصل الثقافية بالأعلى للثقافة.. اليوم
تحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، والدكتور هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، عقدت لجنة السرد القصصي والروائي بالمجلس ومقررها الدكتور حسين حمودة، أمسية ثقافية ضمن فعاليات سلسلة “تواصل” التي تنظمها اللجنة تحت إشراف الدكتورة عزة بدر عضوة اللجنة، وبدأت الأمسية في تمام الخامسة من مساء اليوم الأربعاء 16 فبراير الحالي بقاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة.
وشارك في الأمسية: أحمد خطاب (إبداع شعري)، والدكتور نادر أحمد علي (إبداع قصصي)، بالإضافة إلى رؤية فكرية حول “القصة القصيرة شعر الدنيا الحديثة (الذاكرة والمستقبل)”، قدمها الناقد سيد الوكيل، وأدارت الأمسية الدكتورة عزة بدر.
بدأت الأمسية بقصيدة “أول الاحتمالات” من ديوان “سيرة بني آدم” للشاعر أحمد خطاب..
ويقول فيها:
أول حقيقة فى الحياة كِدبة
أول حبيبة يجوز مجرد حلم
أول صراع للخير قصاد الخير
أول هزيمة الخير أول ظهور للشر
أول أسماي كانت الجنة
خرجنا منها عرفنا كلمة نار
أول نهار فى الدنيا كنتي انتى
أول قمر شوفناه كأنه نهار
أول مطر ع الأرض نبِّتنا
أول نبات كان بيت وضل وخِلْ
أول طريق مشيناه مالوش آخر
أول وصول بينسِّي أول طريق
أول صديق كان مكسب الدنيا
أول خسارة تملِّي تبقى صديق.
وقرأ الدكتور نادر محمد علي قصتين إحداهما بعنوان “الجدار”، والأخرى بعنوان “بائع البطاطا.. وسانتا كلوز”، ويقول فيها:
يؤسفني أن أسير اليوم في هذا الطريق وحيداً، على الرغم من اختلاط صوت قدمي مع أقدام عشرات البشر من حولي فوق الجسر الذي يصل بين ضفتي النهر المغلف بالسكون، تمنيت أن أقص عليك حديثاً مغايراً، بعيداً عن برودة أراها في أعين المارة، فاقت برودة ليالي يناير الشتوية! حتى (لمبة) عمود الإنارة الذي كنا نجلس تحتها على ضفة الجسر تكسرت.. واختفى الضوء الأصفر الشاحب الذي سخرنا منه دوماً، لقد حل الظلام يا صديقي.. ولم أعد أرى سوى تلك الخيالات يومياً.
أفتقد في تلك اللحظات حديثنا الدافئ، لأهرب من تلك الأجواء، حتى الصمت ظللت أبحث عنه، فالمسألة لم تكن مجرد كلمات روتينية يرددها أي شخص لإيهام نفسه بالتواصل.. فبيننا وصال لا ينقطع، تخطى الكلمات التي نرددها.. ولم يكن حضوره إلا لنستكمل حديثنا الداخلي.. حديث أبدي يعانق أنفسنا.
لقد ذبلت العاصمة، واختفت فيها الحياة، وصرت أتلمس الابتسامات في أعين الناس بالكاد، ولم أستطع التمييز.. هل ذلك العالم حقيقي؟.. أم رحيلك الذي جعلني في عالم آخر مغاير.
أتتذكر بائع البطاطا الذي يربض أمام السينما؟، لم يأتٍ منذ عدة أسابيع، ولا أعرف السبب، ظللت أبحث عنه في الشوارع المتاخمة ولم أعثر عليه، الرجل الذي نسجنا معه الأحاديث المختلفة، وأعجبنا بطلاقته وآراءه المستنيرة، اختفى ولا أعرف أين ذهب، شعرت بالحزن لأنه أحد ملامح اللقاء الدافئ. وعم سعيد البائع (الكشكول)، لم يكن أسعد حظاً، إذ فشل في نقل البهجة بقبعات “سانتا كلوز” المضيئة بالنجوم احتفالاً بالعام الجديد، بدا بائساً في استجداء الأطفال بابتسامته المصطنعة وحركاته البهلوانية التي ظهرت رتيبة بالنسبة لهم.
دعني أبُح لك باعتراف.. لقد صار المكان هنا غير مألوف، ولم تعد الأشياء بهذا البريق، أو كما أعرفها، لذا أرجو أن تجيب على تساؤلي؟ هل أنا الذي أعاني بعد رحيلك؟ أم الحياة في العاصمة رحلت معك؟ سأجلس على ضفة النهر دون النظر إلى الناس، ولن أبحث عن بائع البطاطا أو حتى ابتاع قبعة “سانتا كلوز”، فقط سأبقى في المكان الذي شهد لقاءنا، لعلي أجد شيئاً من شتات نفسي المبعثرة، أو أبقى في تلك الدائرة المفرغة، أو حتى تأتي إجابتك!.
وتحدث الناقد سيد الوكيل عن أثر الحداثة والتكنولوجيا في القصة القصيرة قائلًا إن
ظهور القصة القصيرة كان بمثابة حدث جديد، حتى إنها علمت كتاب الرواية “التقنية”، وهذا كان مرتبطًا بالحداثة وعصر الثورة الصناعية بالتحديد.
وقد قال الأستاذ نجيب محفوظ إن القصة القصيرة هي شعر الدنيا الحديثة، فتاريخ الشعر قديم جدًّا، وهذا يطرح أسئلة، ولم تكن تحولات الشعر في الفترة الأخيرة بعيدة عن السرد وعما حدث فيه.
ويتساءل الوكيل: لماذا نقول عن القصة القصيرة شعرًا؟ لأنها في أقرب منطقة للشعر، من حيث اللغة والتناول، ويقول باشلر في كتابه “شعرية أحلام اليقظة”: “القصة القصيرة هي بنت حدس اللحظة”. فالقصة القصيرة تباغتك ولا تحتاج أكثر من أن تصدق التجربة وتحتشد لكتابتها.
ويرى أن القصة القصيرة فن شديد المرونة.