إحياء ذكرى الشاعر الكبير أمل دنقل بالأعلى للثقافة
تحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، والدكتور هشام عزمى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، أقيم أمس الأربعاء بمقر المجلس الأعلى: اللقاء الأدبي الثالث والأخير خلال شهر مايو، في إطار إحياء الذكرى التاسعة والثلاثين لرحيل الشاعر الرمز: “أمل دنقل”.
وجاء هذا اللقاء كسابقيه، ثمرة للتعاون بين لجنة الشعر بالمجلس مع بيت الشعر بالقاهرة، وافتتحت الأمسية بكلمة لمقرر لجنة الشعر، ألقاها الشاعر أحمد سويلم، أعقبتها كلمة رئيس بيت الشعر، ألقاها عنه الشاعر السماح عبد الله. وقد شهدت الأمسية مشاركة كوكبة من كبار الأدباء والمثقفين وهم: الشعراء: حسن طلب، الشاعر أحمد فضل شبلول، والدكتور رامى هلال، والشاعرة صباح هادى، والدكتور عبد الحكم العلامى، والكاتبة عبلة الروينى؛ وقدم الأمسية الشاعر عماد غزالى عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى وبيت الشعر بالقاهرة.
تحدث في افتتاح اللقاء الشاعر أحمد سويلم مقرر لجنة الشعر بالمجلس وعضو بيت الشعر؛ فرحب بالحضور من المشاركين فى اللقاء؛ وكذلك بالمتابعين الذين امتلأت بهم القاعة، من محبي الشعر ومتذوقيه على العموم؛ وعاشقي شعر أمل دنقل على وجه أخص؛ ثم انتقل إلى الحديث عن أهمية هذا اللقاء في إطار الاحتفال بالراحلين من القامات الشعرية السامقة في حياتنا الأدبية المعاصرة؛ و”أمل دنقل” واحد من هؤلاء المبدعين الكبار بما تركه من إبداع شعرى راق عبر مسيرته القصيرة الحافلة.
بدأت بديوان (مقتل القمر) أوائل ستينيات القرن الماضي؛ حتى (أقوال جديدة عن حرب البسوس)، وأخيرا (أوراق الغرفة 8) أوائل الثمانينيات. وفى ختام كلمته أكد الشاعر أحمد سويلم أننا نتطلع إلى الاحتفال بذكرى “أمل دنقل” الأربعين، فى العام القادم.
ثم تحدث الشاعر السماح عبد الله ممثلا لبيت الشعر بالقاهرة؛ فتوقف عند ذكريات اللقاء الأول مع “أمل دنقل” أوائل ثمانينيات القرن الماضي، ليطلع جمهور الحاضرين على تفاصيل ذلك اللقاء الحميم؛ فقد كان السماح حينذاك مدعوا إلى برنامج الشاعر فاروق شوشة الشهير (أمسية ثقافية) لإلقاء إحدى قصائده؛ وكان قد اختار قصيدة كتبها عن جمال عبد الناصر؛ ولكن لقاءه بالشاعر “أمل دنقل” قبيل تسجيل البرنامج بأيام؛ جعله يختار نصا شعريا جديدا كتبه عن “أمل دنقل” متأثرا بهذا اللقاء.
أما الكاتبة والأديبة عبلة الرويني، زوج “أمل” ورفيقة رحلته في سنواته الأخيرة، وصاحبة كتاب (الجنوبي) الذي يسجل سيرته الأدبية؛ فقد وقفت عند ما آل إليه الأمر من ضعف في حياتنا النقدية ولا سيما بين المتخصصين في النقد الأدبى بأقسام اللغة العربية في بعض الجامعات الإقليمية، حيث دأب بعض هؤلاء الأساتذة الجامعيين على عدم إعطاء الحق للرموز الشعرية المعاصرة، وفي مقدمتهم “أمل دنقل”، والأدهى أنهم يفرضون رؤاهم النقدية تلك على طلابهم، فيقررون عليهم رؤيتهم وسط صمت أكاديمي.
ثم تحدث الشاعر حسن طلب مشيرا إلى دراسته حول “أمل دنقل”، التي نشرها عقب رحيله الناقد الكبير “رجاء النقاش” بمجلة (الدوحة)، ثم إلى قصيدته التي أهداها إلى “أمل” ونشرتها (الدوحة) أيضا في أثناء مرضه الأخير؛ وعنوانها (زبرجدة إلى أمل دنقل)، والتي اقتصها الشاعر أمل دنقل فور نشرها عام 1983 ليعلقها بجواره وهو على فراش المرض مستعينًا بها فى مواجهة المرض الخبيث، ويقول الشاعر حسن طلب فيها:
قالَ: فِضْ، قيلَ: فاضْ!
وجَرَى السَّيلُ بالويْلِ..
حتّى إذا طَمَرَ البَرلَمانَ
وأغرَقَ دارَ الحُكومةِ
واللّافِتاتِ الطِّوالَ العِراضْ!
قالَ: غِضْ، قيلَ: غاضْ!
ونَهَى النِّيلَ- قِيلَ- عنِ المُنكَرِ..
احتَدَّ وهْو يُشيرُ عليهِ بهدْمِ السُّدودِ
وردْمِ الحُدودِ.. ورَىِّ الحِياضْ!
………………..
قلتُ: مَن ذلكَ العارِفُ الفَذُّ؟
هذا الذى يتألَّمُ.. والنَّاسُ تلتَذُّ!
قيلَ: امرُؤٌ يَتنبَّأُ باسمِ الأجِنَّةِ قبلَ المَخاضْ!
قلتُ: فلتَذْهَبوا بِى إليهِ
ذهبْتُ.. فألْفيْتُ لوْنَ المُلاءاتِ أبيَضَ
تاجَ الحَكيماتِ أبيضَ
مَصْلَ الأنابيبِ.. وجْهَ الطَّبيبِ!
سألْتُ: فما خَطْبُهُ؟
قيلَ: سفَّهَتِ السُّفهاءُ بليْلِ الهزائمِ أحلامَهُ!
ثُم سوَّدَتِ الهُدنَةُ.. الهُدنتانِ.. الثَّلاثُ
جميعُ صُنوفِ التَّهادُنِ أيَّامَهُ!
فتوَحَّدَ باللوْنِ.. خبَّأَ فى اللوْنِ آلامَهُ
ومضَى يتقلَّبُ فى درَجاتِ البَياضْ!
ثم جاءت كلمة الدكتور رامى هلال؛ الذي حاول أن يضىء بقراءته الواعية بعض مواطن الإبداع المتفرد في تجربة “أمل دنقل”، وكذلك فعل من بعده الناقد الدكتور عبد الحكم العلامى في وقوفه على ملامح الالتزام متعدد الجوانب في شعر “أمل دنقل”.
وكان خير ختام فى هذا اللقاء هو الاستماع إلى مختارات من قصائد “أمل دنقل” الشهيرة، حيث اختارت الشاعرة صباح الهادي قصيدته الأشهر التي جرت على الألسنة: لا تصالحْ!، والتى يقول فيها:
لا تصالحْ!
..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
أما الشاعرة الدكتورة شيرين العدوي، فقد اختارت أن تقرأ علينا قصيدة: (من أوراق أبى نواس)، وهي من النصوص العميقة الدالة التي نجح فيها “أمل دنقل” في توظيف عناصر منتقاة من التاريخ العربي القديم، لنجسيد رؤاه الثورية التى تعري سائر أنواع القهر الذي تمارسه كل سلطة مستبدة:
(الورقة الأولى)
“ملِكٌ أم كتابهْ؟”
صاحَ بي صاحبي; وهو يُلْقى يدرهمهِ في الهَواءْ
ثم يَلْقُفُهُ..
(خَارَجيْن من الدرسِ كُنّا.. وحبْرُ الطفْولةِ فوقَ الرداءْ
والعصافيرُ تمرقُ عبرَ البيوت،
وتهبطُ فوق النخيلِ البعيدْ!)
“ملِك أم كتابه؟”
صاح بي.. فانتبهتُ، ورفَّتْ ذُبابه
حولَ عينيْنِ لامِعتيْنِ..!
فقلتْ: “الكِتابهْ”…
فَتَحَ اليدَ مبتَسِما; كانَ وجهُ المليكِ السَّعيدْ
باسما في مهابه!