تأملات في فيلم “خلطبيطة بالصلصة” Ratatouille
كتب: محمد عرجاوي:
فيلم Ratatouille فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة لعام 2007، الفيلم انتاج بيكسار Pixar ومن إخراج براد بيرد Brad Bird.
القصة تدور حول الفأر(ريمي) الذي يهوى الطبخ ولكنه يختبئ خلف مظهر آدمي متمثلا في صديقه البشري (لينجويني) الذي ينسب مواهب ريمي في الطبخ إلى نفسه في البداية ثم يتراجع ويعلن عن الطباخ الحقيقي بشجاعة ويواجه الكثير من المشاكل والعواقب في سبيل ذلك. ويمكن اختصار الفيلم في عبارة واحدة وهي : “من طلب التتويج فلينجز ولا ينظر وراءه”
هذا الفيلم يحمل الكثير من القيم والمعاني والإشارات بين السطور. وفيما يلي بعض التأملات والتحليلات لهذه المعاني..
- المبدع وسط مجتمع تقليدي دائما ما يجد من يستخف بقدراته وغالباً ما يكون من أسرته ( والد ريمي : بتعرف كل حاجة من ريحتها… إيه يعني ).
- بعض العظماء يؤسسون لأفكار لا يجدوا وقتا لإثباتها في حياتهم. مثل (جوستو) الشيف العبقري الذي آمن أن الطبخ للجميع، لكنه لما مات اكتشف أن فكرته لم تتحقق بعد. فتجسد لأفضل نموذج يمكنه تحقيق مقولته وهو الفأر ريمي الذي يعشق الطبخ. طبعاً هذه النقطة يُعتَقد أنه تم تحريفها عن النص الأصلي لتناسب خيال الأطفال. وإن كان هناك تلميح بها في في نسخة الفيلم الإنجليزية بسؤال لينجويني للشيف سكينر ” هل تؤمن بوجود حياة بعد الموت ؟ “.
- الموهوب يحتاج في بداية طريقه لمعلم محترف يعلمه التكنيك والخبرات الواقعية في البداية، وهي مرحلة مهمة قبل الإبداع والخروج عن المألوف. ( كوليت ) الطباخة المحترفة هي من علمت الفأر ريمي التكنيك دون أن تدري، ولما حان وقت التحدي تفوق ريمي عليها بعد أن ( شرب الصنعة ).
- الأشرار ليسوا حمقى، ولا يستخفون بأي تحدٍ مهما بدا سخيفا. سكينر ( الشيف الشرير) لم يتوقف كثيراً عند غرابة فكرة أن يكون الطباخ فأراً وبحث عنه في الحال ولم يضيع وقتاً.
- الناقد التقليدي (أنطوان إيجو) يشبه إلى حدٍ كبير بعض أساتذتنا الجامعيين. لا يرحب بالجديد إلا إذا اقتنع وذاق بنفسه. ويظنه الناس متعنتاً وهو في الحقيقة موضوعي لكن علمه وخبرته جعل أي محاولة لإبهاره صعبة جداً.
- ريمي من أصل وضيع، ولكنه أراد أن يسموويرتقي فإذا به يُصدَم بتصرف صديقه لينجويني الأناني الذي نسب نجاحه إلى حبيبته كوليت. الأمر الذي أعاد ريمي إلى أصله الوضيع فقرر الإنتقام من صديقه عن طريق خيانته للأمانه وفتحه لباب المطبخ لإخوته الفئران بغرض سرقة الطعام. الدرس المستفاد هنا أنه إن رأيت وضيعاً يريد أن يرتقي فساعده ولا تصدمه لأنك إن صدمته فإنك تعيده لأصله وسترى منه وجهاً قبيحاً.
- في الأزمات لا يصح إلا الصحيح. فعندما وجد لنجويني نفسه وحيداً في مواجهة إيجواعلن أن صاحب الفضل الحقيقي هوالفأر ريمي. وهنا تخلى عن لينجويني كل أفراد طاقمه من الطباخين. وحدها كوليت فهمت أن هذه فلسفة جوستو” الطبخ للجميع ” فعادت لتتعلم ممن كان يوماً تلميذاً لها.
- الشرير سكينر يتعامل مع منافسيه بنفس منطق الأشرار. إما ان اسيطر عليك واستفيد أنا وحدي منك وإما ان أدمرك. وهو منطق رجال الأعمال في تعاملهم مع المواهب. وعلى أرض الواقع يوجد نموذج شهير لذلك وهو توماس أديسون الذي تحول إلى رجل أعمال لا هم له إلا المكسب المادي وقد بدا هذا جلياً في مطاردته ومحاصرته لتلميذه العبقري تسلا.
- الإنجاز المبهر غير كافٍ لتغيير المفاهيم السائدة عند أغلب الناس. فهم لم يقبلوا أن يأكلوا طعاماً متميزاً لأن من يطبخه فأر. لكن هناك دائماً نسبة ضئيلة من الناس تبحث عن التميز أياً كان. وهم زبائن مطعم راتاتوي Ratatouille الذي أعلن صراحة أن الطباخين فئران. طبعاً الباحثين عن التميز كثيرون كعدد لكن نسبتهم وسط الناس ضئيلة. ثمة معنىً آخر هنا أن الإعتراف بالحقيقة واظهارها يعطي نتائجاً أفضل من إخفائها. والإعتراف بأصلك وعدم خوفك منه يجبر الناس على إحترامك.
- راتاتوي Ratatouille ترجمتها الحرفية ( أكلة الفأر ) وكأن ريمي يبعث برسالة خفية للأنطوان إيجومفادها أن هذا طبخ فئران.
- بشكل عام في أي بلد وفي أي حضارة.. فإن أفضل الطعام هوما يذكرك بطبخ والدتك، لأنها كانت تغمر طبخها بحبها لك. وريمي هنا كان قد غمر طبخه بحبه لعائلته ورغبته الحقيقية في الإعلان عنهم والفخر بهم. فكان طبخه الممزوج بحبه لعائلته هوالذي جعل إيجويتذكر طعام والدته ويسقط قلمه الناقد ويعود طفلا منفتح الشهية بعد سنوات من تذوق أكل لم يكن يحبه ولا يبتلعه ( لهذا كان إيجونحيلا جدا ثم بدأ يسمن قليلا بظهور طبخ ريمي في آخر الفيلم ).
- لينجويني لم يكن معدوم الموهبة كما كان يظن. هوفقط كان يبحث عن موهبته الخاصة في الإتجاه الخطأ. ولما اعترف انه لا يمتلك موهبة في الطبخ وجد موهبته الحقيقية فيكونه نادلاً محترفاً يقدم الأطباق والشراب في سرعة وحنكة استثنائية. ايضا لينجويني في بداياته كان غير واثق بنفسه ولذلك سمح لريمي بأن يحركه بالضبط كعرائس الماريونيت، والمعنى هنا واضح بأنك ان لم تفرض على الناس موهبتك الحقيقية سيتحمكون بك ويحركوك كما يريدون هم لا كما تريد انت.
- كوليت الطباخة المحترفة ظلت لسنوات تخشى ان تخرج عن المألوف وأن تتبع الوصفات كما هي. وهي نموذج للموظف المحترف الذي توقف عن تطوير نفسه وتجربة الجديد خوفاً من المخاطرة.
- ريمي يمثل كل من خاض رحلة من قاع المجتمع إلى عرش مجاله، وهو حلم كل إنسان بسيط في أن يكون الأول في مهنته. يجسد ذلك مشهد ريمي الذي يشعر أنه صار بحجم برج إيفيل نفسه يلخص هذا الإحساس.هذا المشهد كفيل بأن يكون لك حافزاً دائماً أن تسعى وتسعى لتنال لحظة التتويج.
الخلاصة هي أن الفيلم عبارة عن دعوة لكل مظلوم إجتماعيا ألا يلتفت لنظرة الناس له. وأن يركز فقط على الإنجازات الكبرى التي ستجبر الناس على احترامه. ومن طلب التتويج فلينجز ولا ينظر وراءه.