عز الدين نجيب: “مبدعون خالدون” رعاية للتراث وتكريم غير مسبوق للفنانين
أشاد الفنان والناقد التشكيلي عز الدين نجيب بمحتوى وفكرة معرض “مبدعون خالدون”، الذي يقام في جاليري ضي بفرعي الزمالك والمهندسين، بمشاركة أعمال مائة فنان راحل ويستمر حتى منتصف شهر أكتوبر، مؤكدا أنه يحظي بحضور جماهيري غير مسبوق.
وقال الناقد والفنان الكبير عز الدين نجيب إن المعرض يمثل حالة وفاء للمبدعين ويدعم الذاكرة التشكيلية المصرية العميقة الممتدة مثل نهر النيل والممتلئة بجينات إبداعية متوارثة لدى أطفال كل المصريين، لا يتوقف توالدها جيلا بعد جيل ويوما بعد يوم، لكن نسبة منها قليلة للغاية هى التى تجد الرعاية والتشجيع فى سن الطفولة والمراهقة فتٌواصل تدريب مواهبها بالدراسة والصقل، ويسفر الكثير منها عن عبقريات فذة، قد لا نعرف منها إلا ما يساوى قمة جبل الجليد العائم الذى يختفى أغلبه تحت سطح البحر، فى ظل غياب متاحف كافية تضم هذا التراث باستثناء متحف وحيد للفن المصرى الحديث بالقاهرة لا تعرض فيه إلا نسبة لا تزيد عن 10% من مقتنياته على امتداد قرن كامل.
وتابع عز الدين مؤكدا أنه فى ظل عدم وجود جهة تقوم بتوثيق ما خفى من معلومات داخل هذه الذاكرة وحمايتها من الضياع والنسيان، نجد لدينا “بنك المعلومات” بقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة وأنشأه الفنان الدكتور أحمد نوار فى التسعينيات وقت رئاسته للقطاع، إلا أن رأسمال هذا البنك من المعلومات والوثائق للأعمال الفنية ألتمس العذر للقائمين عليه لندرة ما لديه من الإمكانات المتاحة وليس من الموظفين غير المؤهلين لهذه المهمة من دراسات بحثية متخصصة وخطط منهجية بناء على خريطة قومية مقسمة جغرافيا وجيليا، وبناء كذلك على لجان استقصاء وتحليل بيانات ووثائق من شتى المصادر والمراجع النقدية والتاريخية حول ما لدى الأشخاص والعائلات من مقتنيات فنية لأعمال الفنانين الراحلين، فضلا عن غياب أى مشروع لإصدار سِيَر ذاتية وأعمال الفنانين ممن تُسفر الأبحاث عن إنقاذ ذكراهم من النسيان، باستثناء سلسلة “ذاكرة الفنون” التى تتولى إصدارها الهيئة العامة للكتاب برئاسة الدكتور هيثم الحاج علي، وقد صدر منها قرابة 50 كتابا على مدى 7 سنوات.
واستطرد عز الدين “تداعت هذه الخواطر فى نفسى عند حضور افتتاح معرض (مبدعون خالدون) فى دورته الرابعة بجميع قاعات مؤسسة أتيليه العرب للثقافة والفنون بالمهندسين والزمالك، وفاض قلبى بالسعادة وأنا أتجول بين حوالى ألف عمل فنى لمائة فنان مصرى، شحبت ذكراهم أو غابت برحيلهم على امتداد العقود الماضية، من شتى الأجيال والاتجاهات والمدارس الفنية، بعضهم تكشف ذكراه عن مأساة لمصير تراثه، إن لم يكن لمصير حياته ذاتها، وقد تسمع أو لم تسمع الأجيال الجديدة عنهم أصداء غامضة مختلطة، حيث لم تتح لهم فرصة مشاهدتها من قبل، وسعيد الحظ من هؤلاء الفنانين الراحلين من وجد من يرعى تراثه وسيرته أو يقيم لأعماله موقعا إلكترونيا”.
ولفت عز الدين إلى أن مائة فنان يمكنهم تحريك جبال الصمت والتجاهل والنسيان فى حياتنا الثقافية، وقد تغبطنا عليهم – بمعيار الحضارة والإبداع – بلاد تغدق الأموال والاهتمام والرعاية على فنانيها وتفخر بوجود تراثهم على أرضها، وهم نابعون من أرضها وهبوا حياتهم للفن، وألف عمل يبلغ مستوى الكثير منها أعمال الفن العالمى الحديث بكل من الغرب والشرق.
واختتم عز الدين “أعتبر شخصيا أن واحدا منهم الذى اختير ضيف الشرف المكرم وهو ممدوح عمار وتعرض له وحده 80 لوحة، أحد الفنانين العالميين وأستطيع أن أضم إليه أسماء كثرة أخرى من بين العارضين المائة فى نفس المستوى، وعدد غير قليل من أعمالهم لم يرها من قبل أغلب محبى الفن أو المشتغلين به.
فالمعرض بالفعل عيد حقيقى لميلاد آباء هذه العائلات من جديد بإلقاء الضوء على إبداعهم، فهم خالدون بحق، ليس لاحتفاء مؤسسة “ضى” بهم فحسب، بل كذلك لأنهم رأوا الانبهار فى عيون الزائرين بأعمالهم، وشعروا لأول مرة بأن هناك يدا حانية تُربٌِت عليهم بعد طول نسيان أو جحود.
فقد سبق لهشام قنديل رئيس أتيليه العرب اقتناء نسبه غير قليلة من أعمالهم ليحتضن الجمال وينشر شذاه بين محبيه، فهى لمسة وفاء من مؤسسة مدنية وطنية فى إحياء ذاكرة الفن، وفى الوفاء للمبدعين فليتنافس المتنافسون.