كاتب ومقال

دار في خاطري| أقبل الخريف

بقلم: ريم السباعي

في سكينة وهدوء أخفت الصيف لهيبه، ولملم أذياله وعد عدته للرحيل، فها هو يودع الأرض بابتسامة تنم عن الثقة بالنفس ويعدها بالعودة من جديد، وها هي السماء الصافية أتت إليها بعض الغيوم لتخبئ الشمس خلفها لتعلن للأرض قدوم فصل الخريف.

ها هو الخريف أقبل بنسماته اللطيفة التي خففت من هبات سعير الصيف والتي تنبئ بقدوم البرد بعد حين، وزخات مطر تندي وجه الأرض، وأشجار تخلت عن أوراقها الصفراء اليابسة فتتركها للرياح لتعبث بها فتحملها معها فحينا تجمعها، وتبعثرها أحيانا هنا وهناك.

ولكن لماذا تخلت الأشجار عن أوراقها؟! ألأنها جفت ويبست؟! أم أرادت التخلص من الماضي الذي أصبح جافا جامدا لا حياة فيه؟! أم أنها أرادت إلقاء كل ما هو قديم وبالي لتحمله الرياح بعيدا، وذلك استعدادا لبداية جديدة تأتي بعد انقشاع البرد؟!

وما هو حال الأوراق الصفراء التي غادرت الأغصان؟! أهي التي قررت الرحيل؟! هل شعرت بعدم رغبة الأشجار في احتوائها؟! أم أنها لم تعد تجد ما تبتغيه فقررت الرحيل؟! ولماذا تشعر الآن وهي مسيرة بأمر الرياح؟! أهي نادمة؟! أتقاوم الرياح؟! أتود العودة ؟! أم هذا هو الوضع الطبيعي لتفسح الطريق لغيرها؟! أهذه هي النهاية؟!

هكذا يكون البشر، أوراق يابسة تتساقط في الخريف، فمنهم من يقرر الرحيل عن أرضه فيصبح بلا جذور ثابتة، فيبقى لعبة بين يدي الرياح، إما يستسلم وإما يقاوم وفي كل الأحوال يبقي ضائعا بلا أساس، أو أنهم يجدون في الرحيل الملاذ.

وهناك من البشر من هم مثل الشجرة يريدون نسيان الماضي بكل قسوته وجموده، ينتظرون الدفء ليكتب لهم معه بداية جديدة، فيقاومون من أجل البقاء.

إن في الخريف هدوء وسكون ولكنه يحمل في طياته إنذارات كثيرة، وصراعات دفينة صامتة، فليس في كل هدوء راحة، فهناك سكون ينذر بصراعات قادمة، فالخريف ما هو إلا استعدادا للشتاء الذي يأتي بالعواصف والبرق والرعد، فذلك هو الهدوء الذي يسبق العاصفة.

اقرأ أيضًا: دار في خاطري| حال وحال

نبذة عن الكاتبة

ريم السباعي

أحد الكتاب الشباب لمنصة كلمتنا

حاصلة على ليسانس آداب في التاريخ من جامعة عين شمس عام 2005

صدر لها مجموعة قصصية بعنوان: رحالة في جزر العجائب

صدر لها رواية بعنوان: ويعود ليلقاها

للتواصل:

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى