كاتب ومقال

كبسولة عم فؤاد| علمونا زمان

زمان كانت النخوة والجدعنة مرادف ووصف لابن البلد، يعني كانت صفات أصيلة فينا يا مصرين زرعها أجدادنا في آباءنا اللي ربونا وكبرونا عليها، كبرونا على الشهامة والمروءة والنخوة مش بالكلام لكن بالأفعال،
علمونا أزاي نتعلمها والمفروض أن احنا بدورنا نتعلم كمان مسؤوليتها ونعلمها لولادنا..

وقت أما كان ابن البلد بيتوصف أن عرقه بينضح نخوة ومروءة وجدعنة طبعا مش بالكلام زي ما قولنا لا دا فعل ومش أي فعل، دا بالذات لازم تعمله بحب وتبقى مقتنع بدورك فيه يعني مش مظهرة ولا رياء.

احنا كبرنا وكل اللي حوالينا كانوا بيعلمونا معنى النخوة والمروءة، علمونا أن فيه حاجة اسمها حرمة.. حرمة بيت، وحرمة شارع، وحرمةجيران، عرفونا أننا لازم نغض بصرنا وأن كل جارة أو زميلة أو حتى عابرة سبيل أم أو أخت لازم نحافظ عليها ونصونها ونكون لها عون وسند وقت الحاجة، ويا ويله لو حد اتعرض لها حتى بنظرة..

علمونا أن كل راجل كبير عم أو خال أو جد نحترمه ونسمع كلامه مانقدرش نرفع صوتنا ولا عينا فيه حتى لو كنا احنا اللي على حق، علمونا لما نركب المواصلات مايصحش نقعد وفيه ناس كبيرة ولا ستات واقفة، علمونا ازاي نحتوي أطفالنا بالكلمة الحلوة نعلمهم الصح من الغلط ونعدهم للمستقبل وكله بالحب والحنان مش بالقسوة.

زمان كان في كل بيت شوية أطباق اسمها أطباق الجيران والمواسم، وكانت أمهاتنا في كل موسم أو بشاير الأكل تعمل حساب جيرانها وتبعت لكل شقة نصيبها حتى لو كان الطبق صغير المهم الكل ياكل منها ويفرح زي ما صاحب البيت أكل وشبع، لما يبقى فيه فرح يبقى فرح الكل ولما يبقي والعياذ بالله حالة وفاة يبقى برضه عند الكل.

مافيش قوي يقدر يتجبر على اللي أضعف منه وإلا هيلاقي الكل وقف ضده في صف الضعيف، علمونا حتى الحيوانات ازاي تعاملها ولا نقسى عليها ومحدش يتعرض لها ولازم نخرج لها أكل من بواقي البيت ومية وقت الحر، جداتنا كانوا بيقولوا عليهم الطير الأخرس اللي هيشفعلنا في الآخرة..

كان الجيران والأصحاب أقرب من الأهل اللي من الدم، واقفين في ضهر بعض بيغيثوا الملهوف ويعينوه في وقت الضيق ويقدموا العون، ماهي الأخلاق ما بتنكشفش غير في ساعة الضيق الشدة.

يااه شفتوا اد ايه احنا دلوقتي بعدنا اوي عن أخلاقهم ومبادئهم؟، المروءة ماتت والنخوة ضاعت،  عبارات الجار للجار.. والصديق تلاقيه عند الضيق وماتخافش طول ما أنا موجود في ضهرك، كل الكلام الحلو دا ليه اختفى من حياتنا وظهر بداله مصطلحات تانية زي “ياعم أنا مالي”.. و”ابعد عن الشر وغنيله”.. و”خليها تولع”..

وبقت تتردد في الشارع المصري مهما شوفنا غلط، أو عند تعرض بنت للمعاكسة والتحرش أو حتى عند نشوب خناقة ومشادات كلامية ولو وصلت للضرب يتدخل لإنهاء مشاكل بين الناس لمجرد فعل الخير، مابقاش فيه حد إلا من رحم ربي بيسيب مكانه فى المواصلات لأى قعيد أو عجوز أو سيدة عشان يقعد مكانه، ولكن اتبدلت الأحوال واتغيرت الشخصية ووصلت لمرحلة الفرجة والتبلد، كمان ظاهرة العنف الدموي وارتكاب أشياء جديدة على تركيبة المجتمع المصرى، كواقعة ذبح الكلاب مثلا وتسميمهم والمشاجرات اللي وصل فيها للقتل وتمزيق اجسامهم وكأن مشهد الدم بقي شيئ عادى فى المجتمع.

دلوقتي الشاب بيشوف الفتيات بيتم التحرش بيهم والمشاجرات اللي بين المواطنين، فيرد بكلمة واحدة “وأنا مالي” ويكتفى بإنه يمسك موبايله للتصوير والفرجة والشير في وسائل الاتصال الاجتماعي عشان يبقي له الأسبقية لركوب ترند ونسبة مشاهدات زى ما قلت لكم قبل كدا.

الكل فاكر مشهد تعرية سيدة المنيا المسنة أهالي منطقتها اشتركوا في الجرم لأنهم اكتفوا بالفرجة بس، وما فيش حد منهم اتدخل لإنقاذها، طبعا لسه فاكرين الكمسري اللي فتح باب القطار، وأجبر شابين على النزول من القطار وقت سيره، ودا لأنهم ماكنوش دفعو ثمن تذكرتين الرحلة عشان ماكنش معاهم فعلا تمنها، وطبعا كانت النتيجة كارثة موت واحد منهم فورا وإصابة الثاني بإصابات خطيرة مش عايز أقول أن الأحداث دي طبعا متصورة.

فين النخوة بين الناس محدش قام منع الكمسري ليه، محدش قام دفع التذاكر ليه اكتفوا بالتصوير، بعدها اتكررت نفس القصة لكن كان فيه هنا ست بمليون رجل بشهامتها وجدعنتها هنا ماكتفتش بالمشاهدة لكن دفعت للمجند تمن التذكرة وصورت الموقف كله وصعدت الأمر.

الأمر ماوقفش لهنا لكن كبر اوي ووصل لوقوع جرايم القتل فىطي عز الضهر، طبعا لسه فاكرين جريمة القتل اللي شهدتها الإسماعيلية لما قام شخص بقتل آخر بسلاح أبيض وقطع رأسه وفصلها عن جسده، وماكتفاش بكده لا دا اخدها ومشي بيها في الشارع.. اللي اغلبه كان واقف يصور برضه عشان الترند
مافيش حد اتعرض له وبرضه كان الكل بيصور، دا غيره وغيره وغيره.

ياريت نفوق بقي ونرجع زي ماكنا ونلم الصفات الحلوة اللي تاهت منا، وتوهنا احنا كمان من بعدها، ياريت نرجع نربي ولادنا وقبلهم نربي نفسنا على مبادئ أهالينا، ونرجع نفتكر النخوة والمروءة والجدعنة، هتفرق كتير اووي، مش كدا ولا ايييييييييه؟.

بقلم
عمرو مرزوق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى