«الفن الجداري».. كيف بدأ وتطور عبر الزمن؟
يعد الفن الجداري أو التصوير الجداري أحد أكثر الفنون التي تحتل مكانة مميزة بين أشكال الفنون المختلفة، فالفن الجداري هو الرسم التصويري بشكل ثلاثي الأبعاد، وهو أحد أقدم الفنون التي عرفها البشر حتى قبل معرفة الكتابة، فمن خلاله تم نقش العديد من الزخارف والنقوش التي نقلت أقدم الحضارات بدقة، وفي السطور التالية تأخذكم منصة «كلمتنا» في رحلة للتعرف أكثر على الفن الجداري ومراحله.
الفن الجداري
العديد من الكهوف في العالم أكدت أن الفن الجداري من أقدم الفنون التي عرفها البشر، بحسب ما ذكر “اندبندنت عربية”، كما أن ذلك الفن كان وسيلة الإنسان قديماً لتجسيد رسومات مختلفة تحمل معاني عديدة وتعبر عن ذاته ومعتقداته وطقوسه وما يحدث حوله، واعتقد البعض قديماً أن تلك الرسومات ستحميه من الشرور، ليصبح بذلك أول مصمم للجداريات في التاريخ، فقد رسم الإنسان قبل أن يعرف الكتابة.
وارتبط فن التصوير الجداري بالهندسة المعمارية والفنون الجميلة منذ القدم، ويرتبط الفن الجداري بالهندسة المعمارية ارتباطاً عضوياً، فعند استخدام الألوان والتصميمات المختلفة ثم معالجتها يؤدي ذلك إلى الشعور بتغير النسب المكانية للمكان الذي تم الرسم عليه، بالإضافة إلى إمكانية تعديل المساحة، لذلك أصبحت الصور الجدارية شكل ثلاثي الأبعاد للرسم التصويري.
كما اشتقت كلمة جدارية من الجذر اللاتيني (murus) والذي يعني الجدار، وتعرف الجدارية فنياً بأنها قطعة من الأعمال الفنية المطلية أو المطبقة تقنياً على سطح جداري، وقد عرفت اللوحة الجدارية في الفنون الجميلة، بأنها رسم يتم تطبيقه بشكل مباشر على سطح الحائط أو السقف، أو يتم رسمه على قماش (canva) ثم يتم تثبيته بعد ذلك.
محطات ومراحل فن التصوير الجداري
اختلفت محطات فن التصوير الجداري عبر الزمان فقد مر بالعديد من المراحل والحضارات المختلفة، ليصل إلينا بشكل الحالي والذي يعرف بالجرافيتي، ولعل أول محطات فن التصوير الجداري بدأت من المصريين القدماء، الذين اشتهروا بالجداريات المحتلفة التي زينت المعابد والمقابر الفرعونية، وكانت تلك الجداريات تعبر عن مظاهر الحياة والطقوس الدينية وقتها، كما أنها استخدمت أيضاً لإبراز الأفكار الدينية وخلق الأجواء الروحانية.
وتوالت بعدها الحضارات التي عرفت الفن الجداري مثل الحضارات المتعاقبة في بلاد الرافدين والبابلية والسومرية والكلدانية والتي احتوت الجداريات فيها على رسومات فنية تعكس مختلف مظاهر الحياة، وتأثرت الحضارة اليونانية القديمة بالجداريات في الحضارة المصرية.
أما في العصر الروماني فقد أصبح فن التصوير الجداري جزءاً أساسياً في تصميم الديكور الداخلي، مثل الرسومات على الجدران وأرضيات القصور، كما تميز بتقنياته ورسوماته وزخارفه المختلفة، بينما كان في العصر البيزنطي مزيجاً بين الفن اليوناني وفنون الشرق، وظهرت فيه زخرفة الفسيفساء البيزنطية، التي من خلال ظهرت جداريات الفسيفساء الزجاجي.
وفي العصر الإسلامي كان فن التصوير الجداري متفرداً عن غيره من الفنون الأخرى، وذلك لتأثره بتوجهات العقيد الإسلامية، فقد كان يتم استخدام النقوش الجدارية التي لا تحتوي على رسوم، كما كان يتم استخدام الحفر والتطعيم بخامات أخرى، ليبدأ بعدها في الظهور فن التوريق أو ما يعرف بـ”الأرابيسك”، والذي يتميز باستخدام الأشكال الهندسية المتداخلة وتنسيقها بطريقة فنية لافتة للأنظار، إلى جانب استخدام الفن التجريدي من خلال الزخارف النباتية والخطية خاصةً خط النسخ والخط الكوفي.
تقنيات الفن الجداري
تطورت تقنيات وألوان اللوحات الجدارية مع مرور الوقت، فقد اختلفت الأدوات والألوان في كل حضارة، وبرزت العديد من التقنيات التي تطورت لفن التصوير الجداري، ولعل أبرزها: التمبرا وهي طريقة تلوين تعتمد على ملونات جافة أساسها الماء، الفريسكو أو ما يسمى بـ”التصوير الرطب” والذي يتم تحضير ألوانة من الأعشاب والأتربة والأحجار الكريمة للحصول على درجات لونية نادرة.
وأيضاً من ضمن تقنيات الفن الطداري التصوير بالألوان الزيتية والذي يعتمد على خلط الصبغة اللونية بأحد الزيوت الشفافة القابلة للجفاف، إلى جانب استخدام تقنية الفسيفساء والتي يتم من خلالها استخدام أجزاء صغيرة ومتعددة الألوان من خامات الزجاج أو الرخام الملون أو الخزف، وترتيبها جانب بعضها، كما تم استخدام أيضاً تقنية “الأكريليك” والزجاج الملون المعشق، وغيرها من التقنيات الحديثة.
فن الجرافيتي
يعد فن الجرافيتي من أشهر تقنيات الفن الجداري الحديث، ويشير مصطلح “الجرافيتي” إلى النقش أو الرسم على الجدران باستخدام صبغات وبخاخات لونية، وارتبط ظهور تلك التقنية بحركة الـ”هيب هوب” والراب، وتطور ذلك الفن مع الوقت حتى بدأ الفنانين الذين يعتمدون على هذا النوع من الفن بعرض أعمالهم الفنية في المعارض الخاصة، وتميز فن الجرافيتي بأنه يحمل بين رسوماته دلالات مختلفة، ليصبح من أشهر الأساليب الحديثة التي يلجأ إليها الشباب للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم على الجدران.
One Comment