“طبيخ الصعايدة”.. كتاب جديد عن الأكل الصعيدي وكواليس من حياة الكاتب درويش الأسيوطي
رضا الشويخي:
أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة 7 كتب جديدة، في مجالات مختلفة، من بينها كتاب “طبيخ الصعايده” للشاعر درويش الأسيوطى، والذي يتناول الطعام وأنماط التغذية الشعبية في صعيد مصر، “كلمتنا” حاورت الشاعر والكاتب الكبير حول الهوية الثقافية لصعيد مصر وما يضمه الكتاب، ضمن سلسلة الدراسات الشعبية التى يرأس تحريرها الباحث حسن سرور.. إلى تفاصيل الحوار:
من أين جاءت “فكرة كتاب طبيخ الصعايدة”؟
ما لاحظته من تغيرات على السلوك الاجتماعي في حياة الناس في الإقليم جعلني أتأمل جذور التغيير الذي أصاب سلوك الجماعة البشرية في صعيد مصر الأوسط على مستوى الأنماط، مثل أنماط العمارة والأزياء والغذاء واللعب والمعجم اللغوي وغير ذلك. وتأثير ذلك على الشعور بالانتماء لهذا الوطن هو ما جعلني أحاول التعرف على الأنماط الموروثة والتأكيد عليها دعما للانتماء للجماعة الاجتماعية والتراب الوطني.
هذا الرجوع للجذور أثمر عن أكثر من 15كتابا نشر منها حتى الآن تسعة كتب من بينها: “طبيخ الصعايدة”، وهو كما أشرت في غلاف الكتاب هو دراسة حول الطعام وأنماط التغذية الشعبية في صعيد مصر الأوسط.
• ما بين درويش الشاعر والكاتب، أيهما يستهويك أكثر ولماذا؟
لا أشعر بهذا الفصام المفتعل بين درويش الشاعر ودرويش الكاتب، فأنا نفس الشخص بهمومه وطموحاته وآماله وآلامه. لقد كان الوطن والإنسان هما محور كتاباتي سواء اتخذت شكل قالب القصيدة الشعرية أو النص المسرحي أو السيناريو أو الدراسة في التراث الشعبي.
• لأي مدى أثرت نشأتك في الصعيد على أسلوب الكتابة؟
صعيد مصر بيئة ثرية بعناصرها الثقافية التي لا يمكن ردها إلى جذر حضاري واحد؛ بل هي تشكل ما عبرت عنه في (طبيخ الصعايدة) بالسبيكة الثقافية. والمعروف أن السبيكة المعدنية التي تتكون من أكثر من معدن تكون أكثر صلابة من المعدن الواحد، وهذا سر استمرار وبقاء مصر وعدم تفككها كما حدث مع أمم وشعوب أخرى. هذا الثراء الثقافي انعكس بالتأكيد على العملية الإبداعية ومنها أسلوب الكتابة.
• ما أكثر أعمالك التي تشعر أنها قريبة من قلبك؟
أعمال الكاتب جزء منه، وبالتالي لا مجال للمفاضلة بين تلك الأعمال. ربما ارتباطي بالتراث الشعبي وهو المكون الأول لمخزوني الثقافي يجعلني أكثر احتشادا للتعامل معه.
• هل تعمدتم كتابتها طبيخ الصعايدة “بالهاء” أم أنه أمر غير مقصود؟
لقد راجعني بشأن هذا الحرف في عنوان الكتاب كل من الصديق الأستاذ جرجس شكري المشرف على النشر بهيئة قصور الثقافة ناشرة الكتاب والصديق الأستاذ حسن سرور رئيس تحرير السلسلة، فالأكثر شيوعا أن تكتب التاء بالرسم الذي تعودناه بوجود النقطتين، لكن اللغة الشعبية المصرية لا تظهر النطق بحرف التاء إلا عند الوصل بالإضافة فنقول (صعايدة أسيوط) مثلا..لكن حين تأتي التاء في غير موضع الإضافة تنطق هاء فنقول (الصعايده وصلوا) وقد أشرت إلى هذه الخاصية في مقدمة (معجم الأسيوطي للألفاظ الشعبية) وأنا في حضرة التراث الشعبي أحترم قواعده .. فطلبت من الصديقين كتابة الغلاف كما صدر به الكتاب.
• من الذي كان له دور في مساعدتك ليخرج الكتاب للنور؟
هذا الكتاب هو الكتاب التاسع المنشور لي في دراسة التراث الشعبي في صعيد مصر، وكانت أخبار الأدب قد نشرت بعض ما جاء به من سنوات، فطلب مني الصديق الشاعر والناقد الأستاذ عبد الحافظ بخيت الكتاب لنشره منذ سنوات خمس تقريبا وكان وقتها مشرفا على النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، ولسبب أو لآخر لم يصدر الكتاب إلا حين تولى الأستاذ حسن سرور الباحث في التراث الشعبي السلسلة فرشحت له الكتاب للنشر، ليظهر مؤخرًا.
• ما أكثر الأكلات التي تحبها من طبيخ الصعايدة؟
هناك طبخة لا تطبخ إلا في الصعيد، ومن حسن الحظ أنها ما تزال تطبخ حتى الآن وهي ما نسميه (المرق) أو (التقلية). وهو طبيخ يتكون من البصل والسمن البلدي واللحم وقد تضاف إليه الطماطم وقد فصلت طريقة طبخه في الكتاب.
• ما الذي افتقدته من روح الصعيد بوجودك في القاهرة؟
أنا أقيم في أسيوط.. تواجدي في القاهرة كان لظروف الدراسة.. وحين أنهيت دراستي عدت إلى أسيوط.. وما افتقده بالفعل رغم إقامتي بين أهلي في أسيوط دفء الحميمية الشعبية التي تراجعت نتيجة التغيرات الاجتماعية واتجه مجتمعنا نحو سيادة الفردية فكرا وسلوكا
• على ذكر الطبيخ، ما أكثر الأكلات التي تجيد طبخها؟
أحب الفول وكذلك العدس والملوخية.
• ما النصيحة التي توجهها للمبدعين من أبناء الصعيد، وما أكثرهم؟
إن جاز لي بحكم السن أن أقدم النصيحة فأقول: الصعيد كنز مصر الثقافي، انهلوا من آدابه قدر ما تستطيعون، ولتظهر تلك الخصوصية الثقافية في كتاباتكم.
• كيف تقيم دور الدولة في دعم المبدعين بالصعيد؟
لا يختلف دور الدول الثقافي في الصعيد عن دورها في المجالات الأخرى في الصعيد، فهو يأتي في ذيل اهتمامات الدولة؛ فهناك هيئات ثقافية يقتصر دورها على خدمة المواطنين في مدينة القاهرة وقد تمتد خدماتها إلى الإسكندرية. هناك محاولات من هيئة قصور الثقافة.. لكن يعوزها دائما الدعم المالي المناسب.
• حدثنا عن بدايتك في الكتابة والطفولة
بدأت بكتبة الشعر في مرحلة الدراسة الإعدادية .. ولم أكن قد قرأت كتابا واحدا غير المقررات المدرسية قبل دخولي المدرسة الإعدادية (الأميرية بطما)، لكني كنت قد حفظت ربع القرآن الكريم استعدادا لدخول الأزهر، وربما كان القرآن والتراث الشعبي هما مصدر ثقافتي الحقيقية التي بنيت عليها فيما بعد علاقتي بالأدب والإبداع . وتفصيل ذلك يطول.