كاتب ومقال

كلمة ورد غطاها| رقابة لصيقة

في كرة القدم كثيرا ما نرى مهاجما مشهورا يقوم مدرب الفريق المنافس بتخصيص اثنين من المدافعين أو أكثر ليقوموا بمراقبته طوال الوقت، يحاولون تقييد حركته ومنعه من استلام الكرة والتحرك بسهولة نحو المرمى، لأن وصوله إلى المرمى يعني هدفا مؤكدا، يطلق معلقو المباريات على هذا الموقف تعبير “رقابة لصيقة”.

أما في العالم الافتراضي عالم الشبكات والتطبيقات المختلفة فإن الامر يحدث بصورة مشابهة ولكن ينجح المراقبون دائما، فالمستخدم لا يراهم أو يشعر بوجودهم بل أحيانا يلجأ إليهم في طلب العون والمساعدة.
هل فكرت عزيزي القارئ لماذا تستمر أجهزة المخابرات في تجنيد العملاء حول العالم بالرغم من أن 97% من مصادر المعلومات هي مصادر علنية؟

دعونا نأخذ مثالا من أرض الواقع فلاعبو الشطرنج يمارسون اللعبة منذ مئات السنين بنفس الأسلوب، كل القطع موزعة على الرقعة ومعروفة الإمكانيات يراها اللاعبون جميعا لا أسرار في هذا، لن يتحرك العسكري بإمكانات الطابية أو العكس، يظل الفيل يتحرك محوريا فيما يقفز الحصان فوق السدود والقيود.

شركة جوجل صاحبة محرك البحث الأشهر والأكثر استخداما حيث تشير الأرقام إلى أن المستخدمين يجرون حوالي 8.5 مليار عملية بحث يوميا، والشركة ذاتها تعتبر صاحبة البريد الإلكتروني الأكثر انتشارا أيضا حيث ييوجد به حوالى مليار و800 مليون حساب، هذا بالإضافة إلى استحواذها على نظام التشغيل اندرويد موجود على حوالى 3.5 مليار هاتف ذكي حول العالم..

منصة اليوتيوب هي أحد الشركات المملوكة لهم أيضا، لن استفيض في حجم الشركة وتغلغلها، جوجل ايرث موضوع آخر، لذلك يمكن لجوجل ببساطة أن تعرف تحركاتك، ماتبحث عنه في أي موضوع أي ما تفكر فيه حتى وأن اخفيته عن أقرب الناس لك، تعرف أيضا مع من تتحدث تليفونيا، أين وكم تدفع في معاملاتك المالية وفي أي مجالات، تعرف أيضا ملفاتك المحملة لديهم وكلمات السر.. إلخ

جوجل لا تعرف فيم تفكر فقط أنهم يحاولون الآن من خلال خوارزميات شديدة التعقيد التعرف على خطواتك المستقبلية بناء على تحليل ماضيك وحاضرك، أقصد ماضي معلوماتك وأنشطتك على شبكاتها وحاضرهما، تستخدم حاليا خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل كل ما سبق، وهو ما تقوم به تطبيقات التواصل الاجتماعي أيضا وجميعنا يشعر بذلك حيث وصل البعض إلى الاعتقاد أن تلك التطبيقات “مخاوية جن”.

تخيل أنك تلعب الشطرنج أمام لاعب يعرف فيم تفكر ما هي خطوتك التالية هل يمكنك الفوز؟ بالطبع ستكون الخسارة هي مصيرك، في عالم الإنترنت الأمر صعب جدا وخطير أيضا..

ما يزال البعض ينظر إلى العالم الإلكتروني على أنه للتسلية فقط، لا يرى كم المعاملات المالية الإلكترونية، التعليم والصحة والعمل عن بعد والعديد من الخدمات المختلفة، الرأي العام والتأثير على الناخبين، الأخبار المغلوطة، نزع الثقافات وإلباس الجميع ثوب العولمة أحادي النظرة.

الأمر صعب ولكن ليس مستحيلا لكي تتخلص من نسبة كبيرة من هذه الرقابة اللصيقة، لا يوجد حل لذلك إلا بالوعي وإلا تضع كل البيض في سلة واحدة، التعامل بحرص مطلوب، والقوانين أيضا مطلوبة، فمنطقة بلا قانون هي منطقة خطرة، خطرة على مرتاديها وأيضا على من يقع خارجها، يجب أن تتحرك بذكاء وتتعامل بحرص، تماما مثلما يتعلم المهاجم الذي يتم تخصيص ثلاثة مدافعين لمنعه من إحراز الأهداف.

بقلم
المهندس زياد عبد التواب

Related Articles

Back to top button